«الازمات» .. ارهاق فوق الارهاق،
ماهر ابو طير
08-07-2009 05:35 AM
تشهد عمان ، منذ اسابيع متواصلة ، ازمات طبيعية ومفتعلة ، فمنذ قصة ملف الهوية والمواطنة ، مرورا بمعارك النواب والصحافة ، وازمة مقاومة التطبيع ، واستيراد الخضار والفواكه من اسرائيل ، وصولا الى ملف الارقام الوطنية ، وظلال الملف وتداعياته ، فان عمان لاتهدأ ابدا ، وكأن هناك من يريد ارهاقها.
هذه الاجواء ، وغيرها ، في ظل مصاعب اقتصادية حادة ، لا تخفف منها ارقام التطمينات الرسمية ، لا بد من ايجاد حل لتنفيسها ، وتفريغ هذه الاحتقانات الطبيعية والمبرمجة ، وقد اثير مرارا حاجتنا الى مشروع وطني جامع ، لا يتعثر ولا يتراجع ، ولا يكون مرحليا ، يتعامل مع مرحلة واستحقاقاتها ، وقد قيل في وصفات المشروع الوطني ، الكثير ، من مطالبات بعقد مؤتمرات ، ولقاءات ، وغير ذلك من اشكال ، كلها تتحدث عن الظاهر ، ولاتتحدث عن المضمون.
تذهب الى المناطق الفقيرة ، في المملكة ، في احياء عمان ، والمحافظات ، وتعرف ان المشاكل الاجتماعية تتزايد يوما بعد يوم ، من الطلاق الى الجريمة والانتحار ، مرورا بالبطالة والفقر ، والتغيرات الجوهرية في الشخصية الاجتماعية ، وقلة الفرص ، وانعدام الامل بالمستقبل ، وترى وجوه الناس تائهة ، كأنها تبحث عن شيء لا تجده ، وفي مدن رئيسة مثل عمان ، تتفلت اعصاب الناس على بعضها البعض ، فتنطلق ابواق السيارات ، ولا احد يصبر على الاخر ، واستخدام السلاح والمفرقعات النارية ، تعبير غير مباشر عن "الغضب" في "الفرح" ، او نجاح ، وفي مدينة مثل الكرك ، تقع عدة حوادث قتل ، فيجلو مواطنون من اماكنهم ، الى اماكن اخرى ، مبتلاة اصلا ، بكون اهلها ، انتقلوا الى مواقع اخرى ، جراء حوادث قتل.
قراءة المشهد السياسي ، وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية ، امر لا يجوز ان يكون آنيا ، واعادة انتاج المراحل وجدولة المشاكل وترحيلها الى مراحل مقبلة ، تحت عنوان ان هذا هو حال الدنيا ، او الدول التي تتوسع في اعداد مواطنيها وساكنيها ، تعاني من هذه الظروف ، هو هروب نحو تشخيص غير دقيق ، ليبقى السؤال عن حاجتنا الى سحب هذه الاحتقانات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، من نفوس الناس ، لان النائب الذي يصرخ تحت القبة ، دون عقل ، مثله كمثل المواطن الذي يسب ويشتم ويطلق العنان لبوق السيارة ، او يسحب مسدسه ، ويطلق النار ، ومثله مثل الذي يصب على النار نارا ، باثارة ازمات صغيرة وكبيرة ، في بلد لا يحتمل العصب العام فيه ، كل هذا الضغط ، المتواصل.
زملاء قالوا في هذا المشهد الكثير ، فمن الذي يطالب بعفو عام ، ومن ذاك الذي يريد مصالحة مع النفس ، وذاك الذي يريد مؤتمرا وطنيا جامعا ، الى اخر تلك الوصفات ، والكل يشترك في تشخيص ذات الحقيقة ، اي وجود تشنج في جو الناس العام ، يشمل الجميع ، ولايقتصر على من يعاني اقتصاديا ، فحتى المزدهر اقتصاديا ، يخاف على نفسه ، ويشك فيمن حوله ، من رجال اعمال او منافسين ، او قرارات حكومية ليست لمصلحته ، وتصل حد الشك في حسد الفقير وطبقيته وحقده ، وكأن الغني ، هنا ، يلعن اليوم الذي رأى فيه فقراء ، فيما الفقير ، للاسف ، يعتبر كل ميسور او غني ، سارقا ، وهو احد اوجه الشكوك في حياتنا اليومية ، وهو وجه جارح بمعنى الكلمة.
ترى كل هذه السيارات الخليجية ، لاردنيين قدموا من مغترباتهم ، وتقرأ في وجوههم خوفا من اليوم وغدا ، فتنضم اعداد كبيرة منهم الى زحام عمان وبقية المدن ، وفي قلوب بعضهم حسرة انهم لم يوفروا ، ولم يفعلوا شيئا ، ويواجهون بكل الاسئلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، التي غابوا عنها لعقود او سنوات ، فيما قلب عمان لايحتمل كل هذا الدم المثقل بالتعب ، الذي يتم ضخه بفعل الايام والظروف والتقلبات.
الجسد يرسل رسائل صغيرة وكبيرة ، ولا بد من التوقف عندها باهتمام بالغ.
M.TAIR@ADDUSTOUR.COM.JO