أنقذوا أطفالكم من التدخين
باسمة طنطور
19-11-2018 04:37 PM
عند إحدى الإشارات الضوئية.. وبينما كنت في طريقي لإيصال أبنائي إلى المدرسة، استوقفني مشهد في سيارة توقفت الى جانبي؛ فتاة تبدو في المرحلة الثانوية، تفتح علبة السجائر، تضع السيجارة في فمها وتشعلها، ثم تأخذ نفسا منها بسعادة، وتناولها لوالدتها، التي تبدأ بنفث دخانها دون اكتراث للغيمة الرمادية التي تملأ السيارة ويستنشقها أطفالها خلفها.
استمرت الصدمة لدي دقائق، صحوت بعدها على صوت زوامير السيارات، تستعجلني في المسير، وتساءلت: أي تناقض بين الأمومة في معناها، وبين هذا المشهد الذي تجسده هذه الأم؟!
قد يظن المدخن أنه وحده من يستنشق دخان السيجارة.. وأنه لا يضر أحدا معه، إلا أن الأطفال من حوله هم أول المتضررين، فأجسادهم ضعيفة ولا تستطيع التغلب على مكونات الدخان السامة، وعندما يستنشق الطفل زفير المدخن أو الدخان المتصاعد من السيجارة يتعرض لنفس المخاطر التي يتعرض لها المدخن، حيث تظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أن ٧ ملايين شخص يموتون سنويا بسبب التدخين، منهم ٩٠٠ ألف نتيجة للتدخين السلبي فقط.
ويؤدي تعرض الأطفال للتدخين السلبي، إلى الاصابة بالربو والتهاب الشعب الهوائية والتهابات الأذن، والموت المفاجئ للرضع، فيما تؤكد الدراسات أن التدخين بالقرب من الأطفال يزيد احتمالية تحولهم إلى مدخنين بالمستقبل، كما توصل باحثون من جامعة أوهايو الأميركية إلى أن الأطفال الذين يتعرضون لدخان السجائر يعانون من انخفاض قدراتهم الذهنية والادراكية.
تعتقد بعض النساء ان التدخين موضة، فيما تعتقد أخريات أنه من مظاهر التطور والحداثة.. وربما يجهلن ان الدول المتقدمة تشهد انخفاضا بنسبة المدخنين وزيادة بعدد المقلعين عن التدخين، وأن مواطني هذه الدول يمتنعون عن التدخين بمنازلهم وبالقرب من أطفالهم.
وتتجاهل النساء بإقبالهن المتزايد على التدخين، الدراسات التي تؤكد الضرر الذي يسببه التبغ على صحة المرأة، فهو على سبيل المثال لا الحصر يزيد من احتمالية إصابتهن بأمراض السرطان والقلب، وتصلب الشرايين، وجفاف الجلد، وتسوس الأسنان وتساقطها، فضلا عن تأثيره على جمال المرأة حيث يؤدي إلى شحوب البشرة وتساقط الشعر وتقصف وتكسر الأظافر.
وتظهر الأرقام الرسمية أن التدخين يقتل واحدا من كل ثمانية أردنيين، بينما يبلغ المعدل العالمي واحدا من عشرة، ويحتل الاردن المرتبة الثالثة عالميا بقائمة أسوأ الدول من ناحية انتشار التدخين .
ويحظر قانون الصحة العامة التدخين في الأماكن العامة ويغلظ العقوبات على مرتكبي هذا الفعل، ولكن القانون لا يستطيع أن يمنع الأفراد من التدخين بمنازلهم وبوجود أطفالهم، وهنا لا بد من حملات توعية للآباء والأمهات حول مخاطر التدخين على صحتهم وصحة المحيطين بهم.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن ٥٧ بالمئة من بيوت الأردنيين فيها تعرض للتدخين السلبي وأن ٩٤ بالمئة من البيوت سمحت بالتدخين داخلها، وهنا لا بد من وقفة عند هذه النسب الخطيرة، ولا بد من توعية مجتمعية بأهمية تجنيب أبنائنا لمخاطر قد لا تحمد عقباها إذا ما استمرينا في مجاملة الآخرين على حساب صحتنا وصحة أولادنا.
قد يكون الشخص البالغ حرا في تعريض نفسه للضرر، ولكن أن يعرض من حوله وخصوصا الأطفال الأبرياء.. من لا حول لهم ولا قوة.. إلى الضرر... فهذه جريمة يجب أن يحاسب عليها القانون... وأن تصبح الأم التي هي رمز العطاء الدائم، ومصدر الحماية لأبنائها، هي السبب في مرضهم وربما موتهم المبكر! فهذا جنون وهدم للفطرة السليمة .
أيها الآباء والأمهات، إذا كنتم تحبون أبناءكم حقا.. أرجوكم، عودوا إلى رشدكم وتوقفوا عن التدخين، وأنقذوا أرواحكم وأرواح أطفالكم.