فضيحة يونس قنديل أزاحت الضغط عن جماعات احترفت تبني خطاب الكراهية ونشره، وتم التركيز على الجريمة التي ارتكبها يونس قنديل، وتم اختصار موضوع الحريات، التي يقف ضدها مجموعات تستخدم الدين للترهيب والتكفير، بأن يونس قنديل يمثل تياراً كاملاً.
وبالاستناد إلى ما قام به قنديل حاول الكثيرون القفز عن المرحلة السابقة لما قام به قنديل، ومحاولة محوا من الذاكرة الجمعية عبر التركيز على الحدث، والابتعاد عن التذكير عن كيفية التحشيد لخطاب الكراهية.
والسؤال هو لو جاءت اليوم جهة أخرى واقترحت إقامة مؤتمر لمناقشة مجموعة من القضايا الخلافية، هل ستتقبل الأجهزة الرسمية ذلك، وهل ستتقبل القوى الظلامية التي تملك أدواتها السياسية والاجتماعية ذلك، أم أن الرفض سيأتي صارخاً وسيتم تبني خطاب الكراهية مرة أخرى، كي يظهر من يصرخون وينددون أنهم من يحامون عن الدين وبواباته المقدسة، وليصيروا سدنة جدداً للدين.
انغلاق أفق النقاش والحوار وتقييد الفكر وتضييق مساحات التفكير بدعوى حماية الدين والمقدسات يؤشر إلى حالة من الفزع من العقل والتنوير، فمن يعتقد أنه على حق يقبل وجود كل الآراء المختلفة معه، ويقبل فتح الحوار والنقاش، ولكن من يدرك ضعفه ويتملكه الخوف من الهزيمة أمام العقل يحاول قتل كل فكرة قبل أن تولد ووأد كل عقل قبل أن يظهر.
نعم اليوم نستخدم خطاباً تحشيدياً وحماسياً لرفض أي آخر، ونحن جاهزون لاستلال كل ما يمكن استلاله كي نمنع أي آخر من الظهور للعلن، ونرتاح في ظل وجود خطاب كراهية وعنف ضد خصومنا، ففكر احترام الآخر ليست في الحقيقة من ضمن مفردات قاموس حياتنا اليومية، فأي اختلاف بيننا هو إيذان ببدء معركة، والهدف من المعركة القضاء على الآخر تماماً.
الطريف بالأمر أن كثيرين ممن يدلون بآرائهم حول موضوع منظمة مؤمنون بلا حدود أو في قضية المؤتمر الملغي أو قضية يونس قنديل لا يعرفون المنظمة ولم يقرأوا برنامج المؤتمر ولا يعرفون سبب الهجوم على المؤتمر وعلى المنظمة.
وللعلم فقط، فقد أقامت هذه المنظمة مؤتمرين لها في عمان في السنوات السابقة، وكانت برعاية جهات رسمية، وقُدم خلال المؤتمرون مجموعة من الأوراق الفكرية المهمة، وذات عناوين جدلية، مثل (القمع المقدس: شرعنة العنف في خطاب الإسلام السياسي)، وكذلك (العنف في الخطاب الديني والبحث عن الأسئلة الحارقة)، وكانت الجامعة الأردنية هي المستضيفة لهذا المؤتمر من خلال التعاون المشترك بين المنظمة ومركز الدراسات الاستراتيجية.
الخطير في الأمر هو حالة الشيطنة للمؤتمر والمنظمة والتي تمت بشكل منهجي ومدروس من عدة أطراف متعاونة، ومحاولة إظهار استهداف الحالة الداخلية الأردنية من قبل أعداء الخارج، وخلق شبكة من التحالفات الداخلية مكونة من عدة أطراف قد تقوم باختطاف الأردن ورميه في أتون معارك داخلية أساسها خطاب الكراهية، الذي بدأ يتنامى، وأخشى ما أخشاه أن يكون سبباً من أسباب الاصطدام بين مكونات الداخلية للدولة الأردنية.
جميعنا ندين ما قام به يونس قنديل، ونقبل بحكم القضاء الأردني العادل، وفي ذات الوقت ما زلت أثق أن حرية التفكير لا يجب تقييدها ويجب محاربة خطاب الكراهية، فالدول لا تتقدم بقوم جاهلين، والتعدد والانفتاح على الآخر هو شرط من شروط تقدم الأمم والشعوب والدول، وكلما تم إلغاء الألوان المختلفة في أي مجتمع لمصلحة لون واحد، فإن ذلك ينذر بالدمار والتهلكة.
لنحارب خطاب الكراهية ونتقبل اختلافاتنا، ولنكن بوصلة لمن تاهوا وصاروا عبيداً لفكرة الرأي الواحد والوحيد، فالتنوع يحمينا والاختلاف يقوينا.
roumanhaddad@gmail.com
الرأي