أكره أحيانا التصوير، وكتبت من قبل مقالا بعنوان: أوقفوا التصوير، وأراه مزعجا في مواقف كثيرة لا يحب أن ينكشف فيها الإنسان للآخرين لاسيما في الحوادث، ولحظات الموت، ولكن في حالة أسيد كان الأمر مختلفا؛ لأن الكاميرا أطلعتنا على صورة الأردني الشهم الذي لم يتردد لحظة واحدة من إنقاذ طفلة سقطت في حفرة يعلم هو تماما مدى خطورتها.
أسيد لم يمثل أمام الكاميرا وربما لا يعرف أن الكاميرات تصوره أصلا، وستخلده رجلا شهما قضى أمام ناظري كثيرين في حالة إنقاذ طفلة صغيرة.
أنا مضطرة أن أضع صورة أسيد البيضاء الناصعة أمام صورة ذلك المهمل أو الفاسد، أوالمؤذي الذي يضع المصائد في طريق الأطفال والكبار في عتمة الطريق دون أن يؤنبه ضميره، أو يخدشه حياؤه جراء ما اقترفته يداه الصغيرتان وهو يرى ذاك التصوير الذي أغضب كل ما رآه؛ مما دعا كثير من المواطنين الطلب إليه أن لا يكتفي بالاستقالة، بل أكثر من ذلك في إشارة لفداحة الخطأ الذي اقترفه؛ مما يكشف عن فساد النفوس والعقول والأخلاق معا.
أسيد في المقابل هو من العينة العشوائية للأردني الأصيل، وفعله هو الوجه الآخر لذاك الفساد والإهمال، بل هو الوجه الناصع، والمثال للأردني الأصيل الذي طبق ما حفظناه منذ طفولتنا في المدارس والجامعات وحلقات الذكر: (إنما الدين الأخلاق) لا سيما مع كل ما تناقلته وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من أخبار تصف أخلاق هذا الشهيد الحميدة بعيدا عن الكاميرات، والتمثيليات، والمقابلات الإعلامية. وكل الغوغائية والإشاعات.
فأين أنتم أيها الفاسدون والمهملون والسلبيون من إماطة الأذى عن الطريق؟! وكيف حالكم وأنتم تضعون الأذى في الطريق وعلى الطريق، وأين أنتم من قوله عليه السلام: " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه". فهل كان صعبا وضع غطاء للحفرة بصورة محكمة؟!
إن أبناء الأردن يرتقون شهداء في السيول ومطاردة المهربين، وصد الإرهابيين ناهيك عن آثار المخدرات نفسها، وفساد الطرق، والدخان الفاسد والمواد التموينية الفاسدة...الخ؟ فهل عجزنا عن إنقاذ أسيد وأسيل بغطاء لا يكلف إلا دراهم قليلة؟!
إلى جنات الخلد يا أسيد، لقد ارتقيت شهيدا، فلحقت بإخوان لك باتوا كُثرا هذه الأيام، فطوبى لشهداء الأردن الأبرار وألهم ذويكم الصبر والسلوان.