الملك العربي المسلم في الكاتدرائية
الاب رفعت بدر
17-11-2018 11:46 PM
ابتدأ البناء في كاتدرائية واشنطن الحاملة اسم «الوطنيّة» سنة 1907 مع الرئيس الاميريكي روزلفت، وانتهى عام 1990 مع الرئيس بوش الاب، وتحمل اسم كنيسة القديسَين بطرس وبولس، وتعتبر سادس أكبر كاتدرائية في العالم، وهي الثانية في أميركا، ورابع أطول بناء في العاصمة الامريكية، وتتبع للكنيسة الأسقفية. نتكلم عنها اليوم كونها احتضنت احتفال منح جائزة تمبلتون لحوار الأديان للعام 2018، لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، بعد ٤٥ سنة على تأسيسها، حيث كانت «الام تريزا» اول الحاصلين عليها في احتفال في لندن في ذلك العام.
إن منح الجائزة للملك الهاشمي في هذا التوقيت بالذات يحمل رسائل عدّة، منها ما هو موجّه لمجتمعنا ونسيجنا الاجتماعي، ومنها ما هو موجّه للدول التي تعاني من الصراعات الطائفية، ومنها ما هو موجّه للإنسانية برمّتها.
أما الرسالة الوطنية، فهي إنّ لدينا في الأردن إرثًا طويل الأمد في مجال الحوار الحياتي قبل ان يكون فكريا، وقد توَّجه جلالة الملك بتسلّم الجائزة، ليقول للعالم بأنّ الأردن، صاحب رسالة عمّان المكتوبة عام 2004، هو ايضا صاحب رسالة تاريخية مفادها التقبّل والتشارك وعدم التمييز بين مواطن وآخر. وإنّ ما ينصّ عليه الدستور الأردني، من مساواة كاملة بين جميع الأردنيين، هو مطبّق ومعاش بطريقة يومية.
الرسالة أيضًا في حفاوة الاستقبال التي أصبحت سمة مميّزة للأردن. وذلك بالبناء على ما سبق من سنوات، فقد فتح الأردن ذراعيه واستقبل الناس على اختلاف مشاربهم وأصولهم. والقادمون الينا يأتون حجاجًا أو سياحًا أو عاملين وافدين أو أيضًا لاجئين. وما قام به الأردن في فترات سابقة وحالية هو عنوان عريض: دولة «الاستقبال» ومنه التقبّل، واحترام مشاعر الناس وشعائرهم.
أما الرسالة لدول الأزمات الطائفية، فقد شهدت مناطق عدة في العالم انتشارًا واضحًا ومؤلمًا للحركات والمجموعات المتطرّفة، والتي تصيّدت بمياه الطائفية والتعصّب والانغلاق وسياسة الإقصاء، فنشأت حروب ومقاتلات أهلية، سبّبت تشويهًا للمعتقدات، واستخدامًا سيئًا وكريهًا لاسم الدين في العنف والإرهاب. وإنّ جائزة تمبلتون الممنوحة للقائد، ومنه لشعبه ووطنه، هي دعوة للمصالحة في دول التناحر، وهي رسالة بأنّ الدين عامل سلام ووئام، وما كان أبدًا عامل خصام. ومن يعمل باخلاص يستحق تقدير العالم.
أمّا الرسالة الكونية، أو الانسانية العالمية، فهي تشجيع لتيار الاعتدال وتكثيف برامج المؤسسات الرسمية والمدنية المعنية بحوار الأديان، والتربية بمراحلها كافة، وتعزيز الوئام، وفتح أبواب الإبداع في هذه الحقول واسعًا، لكي ينشأ لدى الاسرة البشرية الواحدة جيل واعٍ ومثقف ومنفتح على الآخرين، باحترام ووقار لائقين. وإنّ وقفة الملك العربي المسلم ليتسلّم جائزة الحوار في كاتدرائية في أميركا هي رسالة بليغة للتشجيع على السير الحثيث في هذا التيار الانفتاحي والحواري والتعاوني، ففيه كل الخير للبشرية، بينما عكسه، أي تيار التعصب والإنغلاق، فيؤدي دائمًا إلى طرق مغلقة بجدران عالية، بعد ان يحصد ارواحا بريئة.
ما أجمل الطفلة إيمان بيشه، رمز أجيال الانفتاح والمستقبل المشرق، وهي تغني في حفل تمبلتون باللغة الإيطالية، ولعله نشيد يصلح لان يكون نشيدا صباحيا موحدا لمدارس العالم: «لنحلم بعالم خالٍ من العنف، عالم العدالة والأمل، حيث يعطي كل واحد يده لقريبه، رمزًا للسلام، والأخوّة، والقوة التي يمنحنا إياها الله تعالى».
Abouna.org@gmail.com
الرأي