ولد المرحوم عبد العايش الحياري في مدينة السلط بأواخر القرن التاسع عشر ولا يوجد تاريخ ثابت لولادته , إلا أنه على الأغلب ولد في عام 1898, وأسمه الحقيقي عبد الفتاح العايش ولكنه عرف بعبد العايش طوال حياته , والده عايش المنصور المحمد الحياري ووالدته أميرة محمد الحسين أبو رمان من عشيرة الرمامنة , وكانت سيدة فاضلة ذات شخصية قوية ومتميزه وذات حصافة وحكمة وحسن رأي .
توفى والده عايش المنصور وهو طفل صغير لا يتجاوز عمره السنة , فربته أمه مع أشقاءه عبد الحميد ومحمود , وكان له أربع إخوان من أبيه هم فلاح , مصطفى , ومفضي , وفياض , وله من أمه أيضا أخوين هما صالح وعبد القادر أبناء أحمد الحمد الحياري , وكان أخوه عبد القادرالأحمد الحمد يعمل بالتجارة ولديه متجر في ساحة السلط وكان ميسور الحال ووضعه المادي جيد , لذلك أشرف على تربية إخوانه من أمه عبد الحميد ومحمود وعبد العايش .
ونظراً لحالة اليتم التى عاشها فإنه لم يذهب إلى الكتّاب ولا إلى المدرسة كبقية أقرانه من أبناء جيله , ولكنه عمل في بداية حياته مع إخوته بالتجاره .
وبعد تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921, التحق بالجيش العربي في بداية عام 1923, وبالجيش تعلم القراءة والكتابة بشكل جيد , مما مكّنه من الترفيع مع الزمن حتى وصل عند تقاعده في نهاية عام 1956 لرتبة رئيس ( نقيب ).
وخلال خدمته الطويلة بالجيش تنقل في وحدات عسكرية ومناطق كثيرة , حيث خدم بقوّات حرس الحدود وقوّات الشرطة والحرس الأميري والمستودعات والتموين وكان آخرها رئيس سرية نقليات القيادة العامة بعمان.
واشترك في الحملة التي أرسلها الجيش الأردني إلى العراق عام1941 للقضاء على ثورة رشيد عالي الكيلاني , حيث استطاع الجيش القضاء على الثورة وتمكن من إعادة الحكم الملكي الهاشمي للعراق , وفرّ قادة الثورة إلى خارج العراق .
تزوج رحمه الله مرّتين ( والاثنتين شركسيتين ) الأولى أنجبت له بنت واحدة , والثانية أنجبت له بقية أولاده وتوفيت بعده بكثير , توفي رحمه الله في 14 –3 –01967 قبل حرب ال 67 بشهور قليلة , ودفن قي مقبرة العيزرية بالسلط .
له من الأبناء ثلاثة هم محمد ( أبو معتز ) وبه كان يكنى والعقيد المتقاعد أحمد ( أبوالعبد ) , والمرحوم حمود ( أبو حازم ) , رحم الله المتوفين وأطال بعمر الأحياء منهم ووفقهم لما يحبه ويرضاه .
كان رحمه الله ضخم الجثة حسن ونظيف الهندام العسكري والمدني , متدينا محافظا على الصلاة والصيام وقراءة القرآن وعرف عنه ذلك في الجيش وبعد التقاعد, وكان معظم اصحابه في الجيش من الضباط المتدينين كامثال عبدالله التل و حسام الدين المفتي وأبو الحكم الروسان وغيرهم .
أمضى فترة كبيرة من عمره ساكناً في عمان , ثم عاد الى السلط وبنى بيته في حي الجدعة العليا بجانب بيوت أشقاءه وبقي يسكنه حتى وفاته .
كان حريصاً بعد تقاعده على الصلاة في المسجد الكبير بالسلط وربطته بالشيخ عبد الحليم زيد الكيلاني مفتي السلط وخطيب مسجدها الكبير صداقة ومحبة علاوة على علاقة النسب التي بينهما , فأم محمد زوجة عبد العايش هي ابنة خال الشيخ عبد الحليم رحمهما الله جميعاً .
جهاده :- اشترك رحمه الله في حرب 1948,عندما دخلت قوات الجيش العربي الأردني الى فلسطين عام , والتي وكل لها حماية القدس العربية والاماكن المقدسة فيها من قوات العدو الصهيوني ومنعهم من السيطرة عليها , وكان حينها برتبة ملازم وعمره بالخمسين, وعمل تحت إمرة القائد العسكري للقوات الأردنية بالقدس المرحوم عبد الله التل الذي يعرفه جيداً ويحترم كل منهما الآخر ويقدّره , ولقد شهد له الكثير من زملائه من الضباط والجنود وعلى رأسهم القائد عبد الله التل بتضحيته وشجاعته الفائقة بقتال الصهاينه , فرغم كبر سنه إلا انه كان يصر على أن يكون في خطوط المواجهة الامامية , وشهد له بعض زملاءه أنه كان إذا حل الليل لبس اللباس المدني ولف رأسه بكوفية بدون عقال وشارك المجاهدين من (جيش الجهاد المقدس ) المدافعين عن القدس عملياتهم العسكرية , ولقد اشترك بنفسه مع مجموعات من الجنود الاردنيين والمجاهدين الفلسطينين باقتحام الحي اليهودي بالقدس القديمة حيث كانت العصابات الصهيونية تسيطر على الحي وتقوم بقصف الأحياء العربية المدنية , ولقد روى هو شخصياً كيف أنهم دخلوا من نفقٍ خارج الحي ، أدى بهم إلى منتصف الحي اليهودي وعندما شاهدهم اليهود وسط حيّهم وبأسلحتهم خافوا كثيرا وذعروا كما هي عادتهم واستسلموا فورا , وتم توقيع وثيفة استسلام الحي اليهودي بالقدس من قبل القائد عبدالله التل عن الجيش الاردني وموشيه رزنك عن الطرف الصهيوني , ونقل المقاتلين من الاسرى اليهود وعددهم أكثر من ثلاثمايه شخصاً الى مواقع الجيش الخلفية , ثم أرسلتهم القيادة إلى عمان حيث اعتقلوا في (أم الجمال ) بمحافظة المفرق .
كان رحمه الله يقاتل عن عقيدة وإيمان وكان يؤدي الصلاة على الأسوار في القدس والمعارك عالقة بين الصهاينه والعرب فيطلب منه أصحابه أن لايعرّض نفسه للخطر فيرفض ويقول لعل الله يرزقنا شهاده ، وكان يقول كنّا نقرأ آية الكرسي والمعوذتين ، ثم نمسح بأيدينا على أجسامنا فنطرد الخوف والرهبه من الموت , وكان يوصي جنود سريته بالصلاة وقراءة القران والتهليل والتكبير قبل دخولهم بالمعركة .
رحم الله أبا محمد , المجاهدعبد العايش المنصور الحياري وجزاه خيراً عن ما قدم لدينه وأمته ووطنه , وأرجو الله أن يكون القدوة والأسوة الحسنة لأبناءه وذريته وللأجيال الشابة من أبناء وطنه , وله حقٌ علينا أن لا ننساه هو وزملاءه المجاهدين ، وله مني أنا خاصة ( حفيده لابنته ) , كل الدعاء بأن يتقبل الله جهاده وأن يحشره مع النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، وأن يجمعنا وإياه على حوض نبيه المصطفى .