سأل أصحاب الأفق الضيق إياهم الراحل العظيم الملك الحسين بن طلال , لما قرر تعيين شخصية عربية في موقع رفيع « فلان الذي عين في الموقع الفلاني من وين ؟» .. هذا سؤال إستنكاري يسأل كل يوم , وكلما عين شخص في موقع , وبسرعة نذهب الى التفتيش عن أصله وعشيرته قبل أن نسأل عن كفاءته ومقدرته على شغل الموقع .. الإجابة الذهبية التي ألقاها الحسين على مسامع سائليه وهو يعرف نواياهم ودوافعهم
«مش مهم هو من وين المهم هو لمين « ..
هذه قاعدة نفتقدها في ظل ثقافة الواتس أب والفيس بوك وتويتر وفيها ألاف التعليقات على فلان وفلان , فيها تكريس لمباديء نحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى , لتكريس الإنتاجية وتصويب مفاهيم الولاء والإنتماء ليكون للبلد وللعمل والإنتاج , كعناوين للإخلاص .. حتى نكون كلنا للأردن مهما تعددت جذورنا وأصولنا ومساقط رؤوسنا .
عندما يهذب المكان سلوكنا .
كنا في طوكيو عاصمة اليابان التي شعرت وأنا في أحضانها وكأنني أعيش في داخل جهاز كمبيوتر , قررت فجأة أن اشعل سيجارة وكنا نتمشى على الطريق العام , بعد دقائق أعلنت سيجارتي عن قرب موتها وقد حان دفنها , بصراحة هممت أن ألقيها على الرصيف وأدوس عقبها كي أطفئ جمرتها ليأخذها الريح , أمعنت النظر فلم أجد لها ولو شقيقة واحدة على الأرض أؤنس بها وحدتها فخجلت, ورحت أبحث عن رف مخفي هنا أو زاوية فلم يحالفني التوفيق , فلا حتى سلة واحدة مخصصة للسجائر المنتهية , فقررت أن أطفيء ما تبقى من حياة فيها برشة ماء ودسستها في جيبي خجلا الى أن صادفتنا مظلة كتب عليها مكان مخصص للتدخين .
هذا ينطبق على عواصم عديدة أتاح لنا الزمن زيارتها , فأحدنا يخجل أن يلقي على الأرض بمهمل تورط به ولو حتى وريقة لأن الرصيف النظيف بقي نظيفا فقد حكم سلوك الناس وإمتثلوا لقوانينه .
أنظر الى بوليفارد العبدلي , فهو من المواقع التي تكاد تكون الوحيدة التي حكمت سلوك الناس بقوانينها, فلا أعقاب سجائر على الأرض ولا ورقة من بقايا دفتر أو ساندويتش , ولا حتى علبة بيبسي أو كولا كومتها قبضة يد على نفسها , المكان يحكم سلوك الناس ويفرض إيقاعه .
بين مدرسة ومسجد .
تذكرت وأنا أستمع الى الدكتور ياسين الحسبان وزير الصحة الأسبق الى تجربته في بناء مدرسة في مسقط رأسه تكريما لذكرى والده ليقيمها لمصلحة وزارة التربية والتعليم بدلا من مسجد تصريحات لوزير الأوقاف السابق وائل عربيات قال فيها ان عدد المساجد في المملكة 6200 اقل من نصفها يتوفر فيها خطباء مؤهلون، وان انشاء مئات المساجد «اوجدت في مناطق عديدة مساجد متجاورة ولا تبعد عن بعضها البعض سوى امتار قليلة»، و ان كثرة المساجد وتزايد عددها بالآلاف «يستحيل بموجبه توفير خطيب لكل منها اوقات الجمعة في ظل عشوائية الانتشار ما يجعلها قبلة لخطباء غير اكفياء لا يقدمون المعلومة الشرعية».
مسجد أم مدرسة , وكلاهما صدقة جارية لكن السؤال الذي سيحتاج الى إجابة جريئة من شيوخنا الأفاضل وهل في ظل الحاجة الماسة لمدارس جديدة وترميم أخرى قائمة ونحن نسمع في الأخبار تصدع واحدة هنا وإنهيار سقف أخرى هناك ومداهمة الأمطار لثالثة هناك, وفرائص أطفالنا التي ترتعد بردا في رابعة تقبع بلا تدفئة في قرية ما أحوج لأموال التبرعات والهبات والصدقات من بناء مسجد ؟.
(الرأي)