لا بُدَّ أنكم قابلتم فِي حياتكم صديقي "أبو دعمة"، فَهْوَ نمط شَخْصِية شائع فِي بلدنا، وَيُمْكِنُ بِسُهولَة أن تجده فِي أي مَكَان، وهَذَا الرَّجُل يوهمك أنه واصل جدًا، وَيَسْتَطِيع أن يفتح أي بَاب مُغلق أمامك، بَلْ وَربَّمَا أوحى لَك أن لَهُ يداً بالتعديلات الوزارية، وتشكيل الوزارات، وإيصال كبار المسؤولين إلى مناصبهم، وأنه بهاتف صغير مِنْهُ يُمْكِنُ أن يفك المشنوق عَن حبل المشنقة، لتكتشف فِي النِّهايَة أنه لا يَسْتَطِيع الإنفاق عَلَى عائلته، وَربَّمَا يستدين مِنْك خَمْسَة دَنانير لآخر الشهر.
ينجح هَذَا النمط من الشخصيات فِي كسب ثقة النَّاس، لأنه يَسْتَطِيع بالفهلوة أحيانًا، وباستثمار قرابته من بَعْض الواصلين من حل بَعْض المشْكِلات البسيطة لِلْنَاسِ، وهَذَا النجاح يجعل بَعْض البسطاء، وأصحاب الحاجة يقعون فِي أعماله، وَربَّمَا لا يُمْكِنُ ألقول إن "أبو دعمة" مُجْرِم، أوْ نصاب، أوْ محتال بالمعنى الحرفي للاحتيال، وَلكِنَّهُ عَلَى الأقل يستغل مَجْمُوعَة الأوهام الَّتِي يرسمها حَول شخصيته فِي الحُصُوْل عَلَى مكاسب بَسيطَة من أناس مساكين لا تسعفهم قدراتهم، أوْ واسطتهم، أوْ شخصياتهم من الوُصُوْل إلى أدنى حقوقهم، فتجدهم يدورون من دائرة إلى أخْرَى، ومِن مَكَان لآخر، وَفِي بَعْض الأحيان لا يتمكنون حَتْى من إنجاز معاملاتهم البسيطة رغم عدم وجود أي عائق قانوني أوْ مادي يَقِف أمام إنجازها.
الظروف الَّتِي نعيشها فِي الأرْدُنْ، وتفشي الواسطة والمحسوبية فِي بَعْض الأماكن جَعَل من وجود هَذِهِ الشَّخْصيَّة نجدة للبعض، والطريف فِي الأمر، ولأنَّ بَعْض النَّاس وَصَلَ إلى قناعة أن معاملته الحكومية مثلًا لا يُمْكِنُ أن تَسِير حَتْى وإن كانَت سليمة مائة بالمائة دونَ واسطة، جعلت من عمل "أبو دعمة" أسهل، والطريف فِي الأمر أن "أبو دعمة" يَقُوُم بِبَعْضِ الأحيان بعمل معاملة حكومية دونَ أن جهد يذكر، لأنَّ طبيعة المعاملة سليمة، ولا تحتاج إلى أي واسطة، وَمَع ذلِكَ يوهم من يقعون بحباله أنه اضطر إلى الاتصال بقريب كَبِير جدًا من الحجم العائلي، وادخله فِي واسطة قوية كَيْ تَسِير المعاملة، ورغم وجود "حيتان" من عَائِلَة أخْرَى تقف فِي وجه المعاملة، وَلكِنَّهُ تَمَكَّنَ بنفوذه، وذكائه، وحكمته من الوُصُوْل بالمعاملة إلى بر الأمان.
فِي هَذِهِ الحَالَة تَكُون "الحلاوة" كَبِيرَة لأبي دعمة الَّذِي يبدأ بالبحث عَن الشخص التَّالِي، والَّذِي يَجِبُ أن تتوفر فِيهِ بَعْض المواصفات مثل أنه لا مسؤولين كبار فِي عائلته، وَليْسَ لَهُ حائط يستند إليه، ولا يَمْتَلِك وعيا كبيرًا يعرف من خلاله حقوقه.
أبو دعمة ظاهرة مَوْجودَة فِي بلدنا، وَيُمْكِنُ من خِلال الشفافية، وتبسيط الإجراءات الحكومية، وفتح الأبواب أمام المواطن ليقدم شكاواه فِي حَالَة تعرضه لتعطيل أي معاملة أن يتقاعد، ويعود إلى الْخَلْفية، فَلا نراه أبدًا. فتش عَن أبي دعمة فِي محيطه، ستجده حَتْما أمام ناظريك.
Mrajaby1971@gmail.com