من عمان الى العمادية أو جولة في كردستان الجنوبية
أمل محي الدين الكردي
15-11-2018 05:24 PM
كتاب من عمان الى العمادية هي وصف أدبي بأسلوب رفيع، لرحلة قام بها علي سيدو كوراني في مطلع الثلاثينات القرن العشرين الماضي طبع الكتاب في القاهرة سنة 1939 الذي دفعه الى هذه الجولة وكتابتها في الكتاب كما جاء على لسانه :عدة عوامل مما كنت أطالعه في كتب الغربيين من انجليز وأمريكان حول الكرد وبلادهم وسد ثغرة في التاريخ الاسلامي وجغرافية الشرق الأدنى وأعطاء فكرة صحيحة عن الكرد لجيرانهم الذين ما زالوا يجهلون الشيء الكثير عنهم ,حتى أنك لا تجد كتاباً واحداً بين كتبهم يبحث في هذا الموضوع بحثاً وافياًعلى ما أعنقد.كل هذا حفزني للقيام بجولة في كردستان بعد أن أنهيت تحصيلي في الجامعة الأمريكية ببيروت عام 1928وقد زرت القسم الواقع منها في العراق عام 1931 وحاولت جهدي أن أكتب الحقيقة في ما أراه .
وخص في نهاية الكتاب باب الأدب والآدباء وقال: إزدهر الأدب الكردي في القرن الثامن عشر المدون بالكورانية في (سنة-سنندج)عاصمة أردلان وبالبابانية في السليمانية وكوى في سنجق إبان إمارة البابان وبالكرمانجية في بايزيد وهكاري وبوتان في كردستان الشمالية أبتداً من القرن الحادي عشر للميلاد .أما في الجبال والوديان حيث تقيم العشائر الرحالة وشبه الرحالة فالاشعار السائدة وإن كانت بسيطة فهي ذات معاني رقيقة وتعد بالألوف ومن أشهر الأدباء الذي ذكرهم كوراني زين العابدين البلانجاني والشيخ احمد التخى ولكليهما شعر رقيق كتب عام (1770-1750)ومن أشهر أدباء البابان حاجي قادر وأكثر ما أعتنى به شعراء السليمانية الغزل والتلاعب في الكلام كما هو في الفارسية وأقدم شعراء الجنوب علي الحريري الذي ولد سنة 1009 في بلدة حرير وقد ذكر كوراني الكثير والكثير في كتابه من الآدباء والاساطير والغناء والمغنون والصحف والمجلات المختلفة وعن اللغة الكردية وغيرها الكثير وكتب عن عمان من بداية رحلته ويبقى أن نذكر بأن علي سيدو كوراني الذي توفي عام 1992ولد في الاردن مدينة السلط عام 1908.
جاء جده علي الكوراني مع القوات التركية سنة 1880 إلى بلدة السلط في الأردن، ، توفي جده في مدينة ( السلط)، ودفن بالقرب من قلعتها، وأسرته منذ ذلك التاريخ تقيم في الأردن وتعرف باسم الكردي.
بدأ دراسته الابتدائية سنة1916 في عمان بمدرسة افتتحها العثمانيون أول مرة سنة 1915م وجعلوا التدريس فيها بالغة التركية، وفي سنة 1920 التحق بمدرسة إنجليزية في مدينة القدس تدعى مدرسة المطران ( جوبت). وفي هذه المدرسة أكمل الصف الثاني الإعدادي، ثم التحق بمدرسة روضة المعارف الوطنية في القدس أيضا، وأتم فيها تحصيله الثانوي.
في هذه الفترة حدث أن قال له أستاذه الأرناووطي: " أنت كردي ولست عربي؟، وعليك الاهتمام بهويتك؟!!". ثم طاف به في مدينة القدس القديمة، وقال له:" إن ما شاهده من آثار ما هو إلا من صنع أجدادك الأكراد الأيوبيين"، ومنذ تلك اللحظة نمى عنده الشعور القومي، ودفعه هذا الشعور الى الاهتمام بدراسة التاريخ والتراث الكردي وظهر ذلك جليا في كتاباته.
وفي نهاية عام1924 التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت، وتخرج منها في 22 حزيران/ يونيو 1928 بدرجة بكالوريوس علوم في السياسية والاقتصاد، وكان بذلك ( أول أردني جامعي).
وفي عام 1929م عين أستاذا للغة الإنجليزية في ثانوية عمان الحكومية، وبعد خمسة أعوام عين سكرتيراً للمجلس التشريعي الأردني. وفي عام 1938 نقل مديراً لثانوية الكرك، وفي عام 1940 نقل مديرا لثانوية عمان، ثم نقل الى ثانوية السلط في سنة 1948، ثم مديراً لثانوية اربد، ولم يطل بقاؤه فيها غير شهرين ،إذ جرى تعينه سكرتيراً أولا في وزارة الخارجية، ونقل فورا إلى مدينة ( جدة) بالسعودية، وأصبح قائماً بالأعمال للمفوضية الأردنية فيها ، وكان ذلك سنة 1949 عندما شرعت الحكومةـ بعد أن نالت استقلالها سنة 1948ـ بافتتاح قنصليات ومفوضيات لها سنة 1948، وتنقّل في السفارات الأردنية في مدن أنقرة ودمشق، وطالت خدمته في هذا السلك نحو خمس عشرة سنة، ثم تقاعد عن رتبة وزير مفوض سنة 1963، خدمها في السعودية واليمن وتركيا وسورية.
وكتب خلال عمله بالوظيفة والسلك الدبلوماسي كتابا بعنوان " من عمان إلى العمادية أو جولة في كردستان الجنوبية" طبع في القاهرة سنة 1939م، ثم طبع كتيباً عن " التعليمات القنصلية الأردنية" كان لفترة طويلة المرجع الوحيد لموظفي السلك القنصلي في المفوضيات والسفارات الأردنية، وبعد تقاعده تفرغ لمهنة التأليف والترجمة، وقدم للمكتبة الكردية مؤلفات غدت مرجعا أساسيا لكل من يبحث عن تاريخ الكرد ولغته الى فترة مديدة.
كان الأستاذ علي سيدو شعلة وضاءة في سماء الأدب والثقافة الكردية، فألف وترجم الكثير من المقالات والمؤلفات في تاريخ ولغة الكرد، ولكن غالبية كتبه المترجمة ظلت مخطوطة، وقام غيره - مع الأسف - بترجمتها ونشرها لاحقا في بيروت وبغداد، وذهب جهده المضني في الترجمة هباءً منثورا، كما كتب علي سيدو الكردي مجموعة مقالات تاريخية وأثرية لمجلة" الحكمة" التي كان يصدرها الشيخ نديم الملاح في عمان خلال عامي 1932-1933.
كما ساهم علي سيدو الكردي في إغناء الحركة الفكرية والأدبية الأردنية، فكان أول أردني يكتب في أدب الرحلات ، وترك لنا مخطوطتين في نفس المجال وهما " من عمان إلى ملاطيا"، و" رحلة في ربوع اليمن في أخريات عهد الإمام احمد". كما نشر بحثا مطولا بعنوان " اللر و اللورستان " في العدد الثاني من المجلد الثاني من مجلة المجمع العلمي الكردي في بغداد سنة 1974.
وقد توفي عام 1992 ودفن في عمان، وأنجب من الأبناء المرحوم مازن، والمرحوم الطبيب اشرف الكردي الذي غدا من اشهر أطباء الأعصاب في العالم العربي والعالم.