لم يكن يخطر في ذهني في يوم من الأيام ان تكون الدنيمارك مقصداً لي لزيارتها بالرغم من كثرة اسفاري وتنوع الجهات التي اذهب اليها ، حيث انني اعشق السفر واعشق التجديد بالسفر . لكن قدر الله لابنتي الكبرى ان تقيم فيها منذ بعض الوقت مع زوجها وابنتها الصغيرة فأصبحت الدنيمارك من ضمن اهدافي لزيارتها . لذا فقد توجهت اليها الشهر الماضي وامضيت هناك سبعة عشر يوماً . وكانت تلك الزياره من اجمل زياراتي وطبعاً كان اجمل ما فيها هو قضاء هذه المدة مع ابنتي وزوجها وحفيدتي الصغيرة . بالاضافة الى انني وفِي رحلاتي واسفاري احاول ان استغل كل لحظة من وقتي للأطلاع على اهم معالم البلد التي أزورها وان ادرس مكامن الجمال والقبح والإيجابي والسلبي فيها .
والدنيمارك كما في غيرها فيها من الإيجابي وفيها من السلبي ولكن الاول يتفوق على الثاني . اول إيجابياتها جمال الطبيعة الأخاذ فيها والذي زادة فصل الخريف روعة وجمالاً وجعل أشجارة تتزين بمختلف الألوان لتبدوا وكأنها لوحة فنية أخاذة . وما بين الأشجار تمتد السهول الخضراء الشاسعه والمكونة من ألنباتات المزروعة أو الحشائش الطبيعية . وتنتشر في أريافها المنازل المكونة من فلل صغيرة وذات طابع مميز كماهي معظم البيوت هناك باستثناء المدن الرئيسية وخاصة العاصمةكوبنهاجن وضواحيها حيث تنتشر فيها بالاضافة الى هذ الفلل التجمعات السكنية الكبيرة والصغيرة حيث يوجد فيها اكبر مبنى سكني في العالم يمتد على مساحة أفقية . بالاضافة الى المباني الحديثة التي بنيت على الطراز الحديث . وكما علمت فأن مساحات الشقق هناك ليست كبيرة وهي تتراوح ما بين ٧٥ متراً ومائة وخمسين متراً في معظمها والتي تعتبر في عرفهم كبيرة . ومن تقاليدهم هناك نزع الاحذية على مدخل البيت وارتداء الشحاطات المنزلية .
تقع الدنيمارك في المناطق الشمالية من أوروبا وهي عبارة عن شبة جزيرة ومجموعة من الجزر المتوسطة والمئات من الصغيرة تقع ما بين بحر البلطيق وبحر الشمال تربطها شبكة طرق وجسور على مستوى عالي من الجودة دون حفر او مطبات . تقع الى الشمال منها النيرويج والسويد واللتان كانتا في فترة من الفترات تابعتان لملك الدنيمارك والذي كان قصرة في مدينة مالمو بالسويد حالياً . وترتبط الدنيمارك مع السويد من خلال اتوستراد يقطع السهول الدنيماركية وسط مناظر خلابة الى ان يصل الى النفق و الجسر الذي يخترق بحر البلطيق الذي يفصل بينهما ليصل الى مدينة مالمو . في البداية ومن الجهة الدنيماركية يهبط الطريق أسفل البحر وعلى عمق تسعون قدماً ولمسافة حوالي ثلاثة كيلو متر ونصف ثم يصعد الى جزيرة صناعية تمتد لمسافة أربعة كيلومترات ليتابع الطريق امتدادة بعده على جسر معلق فوق الماء لحوالي ثمانية كيلومترات الى ان يصل الشاطئ السويدي ثم مدينة مالمو .
وتعود اصول سكان الدنيمارك الى قبائل الفايكنج المقاتلة والتي احتلت قسماً كبير من شمال أوروبا ذات يوم ليتحولوا في هذا العصر الى سكان حسني المعشر بحيث انه لايأتي وجهك بوجة أحدهم او إحداهن الا ويتبسمون لك او يتمتمون بعبارت يبدوا انها عبارات تحية . يسيرون من حولك لا تكاد تحس بهم دون ضوضاء منهم . امضيت عطلتي هناك لم اسمع صوت نفير سيارة او بائعاً ينادي على بضاعتة من سيارتة بصوتة الحنون . شوارعها نظيفة الى درجة تجعلك حريصاً على المحافظة على نظافتها .
يعتمد الدنيماركيون في تنقلاتهم على وسائل النقل العامة اكثر من سياراتهم الشخصية وأكثر ما يستعمل هو الدراجات الهوائية ويساعد على ذلك ان اراضي الدنيمارك منبسطة . ولذا تجد ان الجميع يستعملها ومن جميع الإعمار .
كما أنة توجد دراجات يُركب عليها عربات تتسع لطفلين بالإضافة الى مكان لوضع المشتريات . وتوجد في عربات المترو والقطارات اماكن مخصصة لمن معهم دراجات هوائية او عربات أطفال . كما يوجد فيها اماكن معزولة لمن يحبون الهدوء الكامل فلا صوت ولا هاتف وممكن مجرد كتاب . والشوارع هناك مقسمة الى ثلاثة أقسام ، الاول للباصات والسيارات حيث للاشارات الضوئية قداستها ولا يقطع احد الاشارة الا باللون الاخضر وحيث لا تتحرك اي سيارة من مكانها اذا تغير لون الاشارة ولا زال بعض المشاة يقطعون الشارع من امامها . والثاني للدراجات الهوائية ولهذا القسم من الشارع قدسيتة الخاصة حيث يمنع المشاة من السير علية بشكل مطلق واذا صدمتك دراجة هوائية وانت تسير علية فأن المسؤولية كلها عليك . ثم بعد ذلك يأتي الطريق الخاص بالمشاة .
وتنتشر مواقف الدراجات هناك في كل مكان وبعضها يتسع الى الآلاف منها . ومن ليس بحوزتة دراجة هوائية يمكنة استعمال الدراجات العامة والتي بالإمكان الحصول عليها من اماكن مخصصة لذلك في الشوارع موصولة على اجهزة يتم الحصول عليها عن طريق وضع البطاقة المالية في جهاز خاص والذي يحجز مبلغاً من رصيدك لتتمكن من استخدام الدراجة والتي يمكنك استعمالها في جميع انحاء البلاد وعندما تنتهي منها تقوم بوصلها في جهاز آخر في المكان الذي تكون فية . ويقوم الجهاز بأعادة رصيد حسابك المحجوز .
اما بالنسبة للتنقل بوسائط النقل العامة فأن الصعود اليها اما ان يكون عن طريق بطاقات اشتراك مدفوعة القيمة مقدماً ، او دفع الثمن عن طريق اجهزة موضوعة في المواقف او عن طريق برنامج خاص على الهاتف النقال وقبل الصعود لهذة الوسائط والتي لا يوجد بها مراقبين على التذاكر ولكن من الممكن وفي أي وقت ان يصعد احدهم الى تلك الوسائط ويقوم بالتفتيش على تذاكر بعض الركاب ، واذا تبين ان أحدهم صعد دون دفع المقابل يتم تغريمة غرامة مالية كبيرة قد تصل الى ما يعادل ما ئة دينار اردني .
اما بالنسبة لمواقف السيارات الخاصة فأنه توجد بعض الأماكن في الشركات والمولات والأماكن العامة يسمح فيها بأيقاف السيارات الخاصة والتي يوجد على زجاجها ساعة ورقية يتم ظبطها على لحظة الوقوف والذي لا يجب ان يتجاوز وقتاً محدداً ، وإذ تم ظبط سيارك ولم يكن توقيت الساعة صحيحاً او تجاوزت مدة التوقف المسموح بها فأن ذلك يعرضك لمخالفات باهظة . كما أنة توجد مواقف في الشوارع عن طريق الدفع بالبطاقات المالية ويتم تثبيت وقت الوقوف ووقت المغادرة ومن يخالف ذلك يعرض نفسة لمخالفات باهظة قد تتجاوز ما يعادل المائتي دينار اردني . الا انني وطوال مدة اقامتي لم اشاهد أحداً يرتكب احدى هذا المخالفات ولم اشاهد من تمت مخالفتة ، يلتزمون بالقانون بعد ان اعتادوا على ذلك خشية من المخالفة
كما توجد خاصية في مواقف وسائل النقل العام وعلى الأرصفة وعند الإشارات المرورية وفي الشوارع المخصصة للمشاة خاصة بكفيفي البصر حيث انه من لحظة الهبوط من القطار مثلا توجد بروزات معدنية على ممر خاص على الارض تقود الكفيف الى المصاعد المخصصة لهم ولراكبي الدراجات الهوائية او الذين يجرون عربات الأطفال والكبار بالسن . ثم تقودهم تلك العلامات على الرصيف وحتى الإشارة الضوئية والتي وعندما يقترب وقت تغير لونها والسماح بقطع الشارع تطلق أصوات متقطعة بطيئة في البداية ثم سريعة في إشارة لهم لقطع الشارع ومتابعة سيرهم على العلامات الأرضية من الناحية الاخرى من الشارع للوصول الى هدفهم .
كما يوجد هناك اهتمام خاص بملاعب الأطفال حيث تنتشر بكل مكان بالاضافه الى ملاعب الرياضات الآخرى المختلفة .
ويوجد في كوبنهاجن حي خاص تكثر فية المحلات التجارية التي تمتلكها وتديرها الجاليات العربية والإسلامية والتي بالإمكان ان تعثر فيها على كل ما يمكن ان تحتاجة هذا الجاليات لطعامها وشرابها ولباسها بما فيها الملابس الشرعية وبما فيها اللحوم الحلال والخبز العربي بجميع اصنافة . وتوجد العديد من هذا المحال تحمل اسمائاً عربية . كما أنة يمكن العثور على مثل هذا المحال في اماكن متفرقة من الدنيمارك وان كانت بأعداد قليلة .كما يوجد في كوبنهاجن حسينية للشيعة والذين لهم وجود بارز وواضح فيها . كما يوجد مسجد واحد للسنة لكن من غير مأذنة .
وتعتمد الدنيمارك بصفة اساسية على مصادر ثلاث للحصول على الطاقة الكهربائية وكلها صديقة للبيئة . حيث يتم استخدام طاقة الرياح بكثرة وتنتشر مراوحها في كل مكان وحتى في عرض البحر . كما يتم استخدام النفايات بعد تجميعها وفرزها واعادة تدوير بعضها في استخراج الطاقة الكهربائية بالاضافة الى استخدام الطاقة الشمسية في هذا المجال . وتوجد في الدنيمارك مزارع خاصة لانتاج الطاقة الكهربائية ، حيث يستطيع المزارعون وبدلاً من زراعة الاشجار والخضروات زراعة الالواح الشمسية وانتاج الطاقة الكهربائية وبيعها للدولة .كما يوجد فيها الكثير من الأماكن والمعالم التي تستحق الزيارة ولذلك فلا عجب ان صنفت الدنيمارك من الدول الاعلى في مستوى الحياة والسعادة .
ولكن الى جانب هذا الإيجابيات فأنة توجد العديد من السلبيات اولها ان الحياة هناك ليست سهلة وخاصة فيما يتعلق بتعاقب الليل والنهر حيث تمر أوقات عليهم تكون ساعات الليل ثلاث ساعات فقط وأوقات أخري تكون ساعات النهار لا تتجاوز الثلات ساعات . وفي أوقات لا تشعر ان هناك ليل وان هناك نهار ، بالإضافة الى الطقس البارد في فصل الشتاء والذي يتعايشون معه من خلال نظام التدفئة في المنازل والأماكن العامة والتي تمتاز بنظام عزل جيد . بالإضافة الى توفر الملابس المناسبة والتي تناسب درجات الحرارة المختلفة .
ومن السلبيات طبعاً كل ما هو يخالف ديننا ومعتقداتنا وأخلاقنا ومجتمعاتنا من تصرفات ومشروبات ومأكولات . ولكن يبقى ان بألامكان العيش هناك بعيداً عن هذا السلبيات . كم يكون جميلا لو نقلنا الإيجابيات التي هناك الى بلادنا وطبقناها فيها والتي هي في الأساس التي يقوم عليها ديننا .
يبقى ان هذه الزيارة كانت ممتعة وادعو الله ان يمكنني من تكرارها .