يبدو لافتا للانتباه ان ردود الفعل تجاه تعديلات ضريبة الدخل، كانت منخفضة الى حد كبير، مقارنة بتواقيت سابقة، وهذا يثير التساؤلات حول سر هذا الهدوء.
يعود انخفاض ردود الفعل الى أسباب سياسية، ومعنوية، التقت في توقيت واحد، او تواقيت متقاربة، وتأثيرتها معا، أدت الى هذا الهدوء الذي لمسناه، بشأن تعديلات قانون ضريبة الدخل، والتي عولجت بطريقة وكأنها ليست تلك التي اثارت الغضب سابقا.
ابرز الأسباب السياسية، ان الحكومة واصلت دفاعها عن تعديلاتها، وأجرت تعديلات على النسخة الاصلية، جعلتها اقل وطأة على الأردنيين، إضافة الى ان القوى المحركة من نواب ونقابات ولوبيات، خضعت لتأثيرات عديدة جعلت قدرتها على التصعيد تتراجع لاعتبارات ليس هنا محل سردها، والكل يدرك ان الاتصالات لم تتوقف خلال الأسابيع القليلة الفائتة، مع كل القوى المحركة.
الشعور بالتسليم السلبي امام تعديلات قانون ضريبة الدخل، كان امرا هاما، اذ ان النخب وعموم المتابعين، وصلوا الى مرحلة شعروا فيها، ان مواصلة مقاومة التعديلات لن تؤدي الى نتيجة، خصوصا، مع كثرة الحديث عن الاشتراطات الدولية، ولا اريد ان أقول هنا، ان هناك حالة من اليأس والاستسلام، الا ان النخب والمتابعين، ربما تخلوا عن أدوات الرفض شعورا بعدمية الموقف، وان لا مفر من الاستسلام لهذه التعديلات، وكأننا امام مكاسرة سياسية، يخسر فيها الذي يتعب أولا.
العامل السياسي الأهم الذي استجد، يتعلق بملف الفساد، وكشف مخالفات الوزارات والمؤسسات، عبر ديوان المحاسبة، وبحيث بدت كارثة المخالفات بمئات الملايين، مدوية، وتم شد الأنظار كلها نحو هذه المخالفات، واحلال ملف الفساد، بكل ما فيه، محل ملف تعديلات ضريبة الدخل، وهذا مبدأ معروف، أي ان ازمة تطرد ازمة، وتحل محلها، واذا عدنا الى توقيت كشف مخالفات ديوان المحاسبة، والصدى العام في البلد، لوجدنا ان الكل نسي تعديلات ضريبة الدخل، وانشغل بملفات الفساد، ما بين موجة الناقدين، او حتى انتشار اليأس من التغيير، جراء هول ما قرأه الناس؟
الجانب المعنوي وهو الأكثر حساسية، يرتبط بعدة محطات، ربما لا يتنبه اليها كثيرون، ولا يعيرها أحدا أهمية، لكنها بحق، تركت ضررا كبيرا على الحالة النفسية لكثيرين، وجعلتهم امام أزمات حلت مكان ازمة تعديلات ضريبة الدخل، وهنا اتحدث حصرا، عن فاجعة البحر الميت، التي أدت الى توتير شديد للعصب العام في الأردن، الذي وجد نفسه امام كارثة تتعلق بالأطفال، وبطريقة حياتنا، وبحيث ظهرت كل معاركنا الرئيسية والثانوية، ليست ذات قيمة، وليست أولوية، امام فاجعة الأطفال، والاسى الذي دخل بيوت الأردنيين.
هذا الامر امتد لاحقا، الى فاجعة السيول التي وقعت مؤخرا، وادت الى خسارتنا مجددا، وكأننا هنا، نستبدل قسرا ازمة بأزمة، او قل تطيح بنا ازمة نفسية تتعلق بالحياة، وخطر الموت، وبحيث تتبدد كل القصص الأخرى، مثل تعديلات ضريبة الدخل، وكأن النجاة هي الأهم، بضريبة او دون ضريبة، وهذه الحالة النفسية التي نراها، مفهومة، ولم توظفها الحكومة، لكنها تركت اثارها على البلد، لوحدها، ودون حض من احد.
لربما شعر كثيرون، ان لاشيء مهما في هذه الحياة، من الغلاء الى الضرائب، امام فواجع العائلات، وقد يرى البعض هنا، ان لا رابط بين الامرين، الا ان الرابط يبدو نفسيا، ويتعلق بأزمات اكثر ايلاما بكثير، من معارك سياسية واقتصادية، تبدو وطأتها اقل بكثير، من مشهد ام فقدت ابنها، او عائلة فقدت ربها، او كارثة هددت الأردن بمجمله، وبحيث باتت الأولوية هنا، للنجاة وللحياة ولان يبقى البلد، بعمومه مستقرا.
هذه العوامل السياسية والنفسية التي تلاقت في توقيت واحد، أدت الى تراجع الحدة حتى في التعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يجري تحليلا احصائيا، عبر أي وكالة متخصصة، يكتشف ان عدد التعليقات وحدتها بشأن ضريبة الدخل تراجعت الى حد كبير.
بهذا المعنى يكون مرور تعديلات قانون ضريبة الدخل مفهوما، فالداخل الأردني بشكل مختصر، موجوع، جراء ملفات أخرى، من الفساد الى الكوارث، وهي ملفات شلت العصب العام، وجعلته امام لحظة تأمل وحيرة امام كل ما يجري.
الدستور