شيء من الرهبة عانقني حين قررت أن أرد بقلمي على مقال سيد البلاد، وأشياء تشبه تلك الرهبة تملكتني أيضا حين تسللت خلسة في تلك الليلة إلى زاوية غرفتي حيث هو المكتب وضوئي الصغير وعدّة الكتابة، وانتشلت القلم والورقة وبدأت ببوح كلماتي التي فاجأتني بتنهيدة عن آلية أستهل بها ردا يليق بمقال مليء بخوف أب ٍعلى بيته وأبنائه، مقال امتزجت فيه روح العتاب بعمق المحبة، مقال فيه من الأمل والألم ما يجعلك تقف وراء كل كلمة تقرأها.
كان بإمكاني أن انتظر حتى الصباح دون أن أخشى إزعاج زوجي وأطفالي ، ولكنني صدقا لم أستطع أن أصبر بعد أن قرأت مقالا لا بد من كل قارئ له أن يشعر بالخجل من نفسه قبل أن يأسف على حال البقية.. وقررت أن أتناول جزئية من موضوع المقال يكاد يكون كل المقال.
وجدت نفسي مترددة في بادئ الأمر، كيف أقف أمام مشاعر ذلك الوالد الحاني الذي ما قرر أن يتبع تلك الوسيلة إلا بعد أن نفذت أمامه سبل الخطابات واللقاءات والحوارات التي تتناقلها الصحف والمواقع الإخبارية نقلا عن جلالته، وبات يشعر أنه أصبح لا بد أن يمسك قلمه ويخاطب كل فرد منا على حدة؛ وهنا داهمتني قوة بحجم دافعي لأن أوصل لكم ما وصلني من مشاعر تختبئ بين سطور ذلك المقال، حيث هو دوري كإعلامية الآن، مجرد من أي دور آخر.
"إلى أين أوصلنا أنفسنا" هذا فقط مختصر ما كان علينا أن نقرأه في خفايا سطور المقال، الذي كتبه سيدنا كإنسان وجد نفسه غير قادر على أن يصبر على قلقه علينا وهو "الأب" فكيف لا.. ولكن في المقابل كيف استطعنا أن نجعله يشعر بالقلق!؟
ونحن نجد فيه تلك الرئة التي تمدنا بهذا النفس الذي نحيا به بخير في أردن خيّر!
دائما يراهن على طيب شعبه وناسه، يتغنى بقيمنا المثلى أمام الجميع، يتحدث مفتخرا في محافله كافة عن "شيء يميزنا"وهذا الشيء على حد تعبيره هو المرساة التي أبقتنا حتى هذه اللحظة ثابتين في وجه العواصف التي فكرت يوما أن تُصوّب رياحها علينا.
ونعم "ليس هناك من منصفٍ يقوى أن ينكر ثبات الأردن في وجه الصعاب والمحن، وما من قوة أو فتنة أو أجندة استطاعت أن تثني الأردنيين عن الالتفاف حول الوطن".
فماذا حصل لنا يا أهل الأردن.. يا أيها الشعب الطيب.. نحن أبناء هذا الوطن.. كلنا جسد واحد في مصابنا "إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى"، هذا الجسد المؤمن هو "نحن".. فعذرا سيدي عمّا بدر منا .. عذرا أننا خيبنا آمالك فينا، وأنت تجابه كل الصعاب لأجلنا، وتواجه موجات التحدي وحدك، ظنا منك أننا على قدر أكبر من الوعي.
لا أنكر سيدي أنني فرحت حين قرأت "بقلم:عبد الله الثاني ابن الحسين".. وشعور بالفخر والسعادة ملأ كل جوارحي عند رؤيتي لصورتك وأنت تجلس على مكتبك وتمسك القلم لتكتب لنا، جهدك الجميل هذا يُقدّر.. بل ولا يمكن أن نعبر عن سعادتنا به، ولكن ما أن بدأت بالقراءة شيئا فشيئا حتى بدت تتكشف أمامي بعض الصور النمطية التي شكلناها بأيدينا في مخيلتك بكل أسف وخجل، حينها تحول فرحي بأنك تصل إلينا مباشرة "دون فلترة" من خلال منشوراتنا وتعليقاتنا إلى اصطدامك بتلك التي فيها شيء من العدوانية والتجريح والأنانية وغيرها، متفاجئا لأن هذا ليس طبع شعبك البتة.
أجل سيدي الغالي، فقدنا لباقة التخاطب والكتابة.. وباتت منصات التواصل منصات تناحر فيما بيننا، وأصبحت تعج بتعليقات جارحة، ومعلومات مضللة، بتنا ننقاد وراء كل ما نقرأ، لم نعد نتحقق من أي منشور، بل نتعمد البحث بين التعليقات لكي نعزز الإشاعة التي قرأناها.. ولا نقف عند هذا الحد بل نتسابق في تداولها ونشرها غير آبهين بمصدرها أبدا.
كل ما تريده منا هو "الوعي" .. ونحن أهل له لا تقلق .. وأنا أفوض نفسي عن كل الأردنيين بأننا على قدرٍ كاف من الوعي الذي تتمناه بنا.. نعدك لن نخذلك مرة أخرى أبدا.. وردا على عبارتك الغالية بأن "كل من يسيء إلى أردني فهو يسيء لك شخصيا" أقول : ثق تماما بأن كل من يفكر بالإساءة إلى الأردن؛ فنحن "معك" عليه يا سيدي.