إذاعــــات لا توجـــع الــــرأس
مصطفى ابولبده
07-05-2007 03:00 AM
لمـــاذا لــم يتحـــول الإعـــلام الخـــاص الـــى صناعـــة حقيقيـــة؟؟طوال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية التي توسعت خلالها استثمارات القطاع الخاص في قطاع إذاعات FM حتى بلغ عدد تراخيصها الآن اكثر من عشرين، لم يحصل أن ايا من هذه الاذاعات قد خلقت مشكلة سياسية، داخلية او خارجية، أو دخلت في أي من \"أوجاع الرأس\" التي تعملها او تقع فيها وسائل الاعلام المسموع في كافة بلدان الدنيا.
غريب بكل المقاييس المهنية والاستثمارية هذا الوضع، لأنه بالنسبة للاعلامي البعيد، يعني واحداً من أمرين.
إما أن العقلية العامة في الشارع الاردني قد تربّت وتمرست ونضجت على سلّم المعايير الديمقراطية بحيث أن المسؤولين أصبحوا يتقبلون النقد ويتعاملون بانفتاح وسعة صدر وتجاوب مع التحقيقات الاستقصائية الموجعة,
أو أن الكوادر الإعلامية التي تدير هذه الإذاعات أصبحت على مستوى من الكفاءة المهنية والإحاطة القانونية بحيث تستطيع ان تتجاوز عشرات القيود الموزعة على مختلف قوانين العقوبات (وألطفها قانون المطبوعات والنشر) بحيث أنها تستطيع التحايل على النصوص القانونية، وتضطلع بمسؤولياتها المهنية دون أن تسقط بالحبس الشخصي أو بالتعطيل المؤسسي.
وكلا الاحتمالين غير وارد!
فالشارع الاردني - كما تظهر استطلاعات الرأي التي تقيس درجة الديمقراطية الاعلامية، - ما زال شارعاً يعيش حالة تحفّز يابس، في تعامله مع النقد الإعلامي.
كذلك فإن الكوادر الإعلامية في مختلف مجالات المكتوب والمرئي والمسموع والالكتروني ما زالت تشكو من أنها غير قادرة على العمل بالسويّة المفترضة،في ظلّ كل المقيّدات المباشرة وغير المباشرة, المنصوص عليها أو غير المنصوص.
إذن أين هي المشكلة؟ ولماذا لم يُسجّل على إذاعات القطاع الخاص في الاردن أنها \"اوجعت الرأس\" المسؤولين عنها أو المسؤولين في مواجهتها ممن يفترض أن توجع رأسهم في حدود القانون؟
أغلب الظن أنها هي نفسها الحالة التي يعيشها الوسط الإعلامي في مختلف منابره، وهي التي وصفها رئيس وزراء سابق بأنها حالة \"الإعلام المرعوب\" فالسقوف القانونية مرتفعة بالمقارنة مع البيئات الاعلامية والسياسية في العديد من دول الجوار. لكن الصحفي نفسه (صحافة مكتوبة او مسموعة او مرئية او الكترونية) هو الذي يخفّض سقفه درءاً للمشاكل وأوجاع الرأس.
والنتيجة هي التي نراها... باب الاجتهاد المهني ضيّق جداً،عدد القراء أو المستمعين أو المشاهدين يتناقص الى الحدود التي يفترض ان تُقلق كل من له صلة بالإعلام والسياسة وبالأمن الناعم. فحين يتناقص عدد مستمعي إذاعاتك أو قراء صحفك أو مشاهدي تلفزيونك، فمعنى ذلك أنهم يذهبون الى غيرك. ولذلك فانه لا يعود من حقك ان تتذمّر إذا ما اخترقتك الأجندات الخارجية، كما لا يعود من حقك أن تشكو أن الإعلام الوطني لم يرتق الى الدرجة التي يصبح فيها صناعة استثمارية تغري القطاع الخاص بأن يقترب منها. فما هو متاح لهذا القطاع الاعلامي من موارد إعلانية نظيفة مكشوفة، هو اقلّ من أن يعيل صناعة اصبحت معقدة وتستهلك رسملة كثيفة في قطاع أضحى فيه الإعلام وجها آخر للاتصالات متاحا بشكل تنافسي للأموال المشروعة وغير المشروعة.
هي حلقة مفرغة من السلبيات الموجعة والفرص المهدورة والمقيّدات غير المنظورة, ومن غياب العقل المركزي للاعلام ولمرجعياته او منابره الموثوقة المقنعة، بما جعل أهل هذا القطاع في حالة شكوى عمرها الآن عشرون سنة،لكنهم يكتفون كل مرة بالاصلاح عن طريق تدوير الكراسي الموسيقية.
أما القطاع الخاص، الراغب والمؤهّل لمغامرة الخوض في هذه الصناعة المكلفة المعرضة للخسارة على المدى المتوسط ، فانه لا يجد من عدد المستمعين والمشاهدين أو من الموارد الاعلانية ، أو من البيئة التفاعلية والرؤية المستقبلية ما يغريه على المجازفة المميتة. فهي في النهاية وفاة لا تحتسب شهادة. ولذلك تكون النتيجة التي نراها الآن... الاكتفاء بصحف اسبوعية ضئيلة التكاليف أو تلفزيونات متخصصة بالترفيه أو إذاعات صغيرة من النوع الذي لم يشهد طوال ثلاث أو أربع سنوات أي حالة من حالات \"الصداع السياسي\" الطبيعي.
mustafa@albaddad.com