لم نكن نعرف أن لمجموعة من أصحاب الرواتب الباهظة في القطاع الخاص تلك القدرة الاعلامية وتحريك معارضة والنفاذ داخل بعض النقابات الا حين أعلن عن مشروع تعديل قانون الضمان الاجتماعي بما يحدد سقف الراتب التقاعدي لتلك الفئة بما لايزيد على خمسة آلاف دينار شهريا !! , ألايكفيهم راتب تقاعد بخمسة آلاف دينار شهريا !! هناك الان من يتقاضى راتبا تقاعديا شهريا يبلغ ثلاثة عشر ألف دينار وفي واقع الامر لايحتاج الى أكثر من ألف دينار لحياة كريمة اللهم الا اذا كان سيحمل حسابه البنكي معه الى القبر , وربما لايعرف حضرته أن هذا الراتب الذي يقبضه عبارة عن الاشتراك الشهري لستمائة مشترك عامل .
وكنا نسمع من يتباكى على أموال الضمان الاجتماعي ويلقون التهم جزافا على مؤسساتها الادارية والاستثمارية بحجة خوفهم وقلقهم على أموال الشعب , وعند طرح مشروع القانون المعدل وقفوا بعناد ضد رفع سن التقاعد المبكر الذي يستنزف أموال العمال المدخرة لدى المؤسسة , ومن عجائب الزمن أن تقف قيادات في نقابة المهندسين ضد رفع سن التقاعد المبكر , مدافعين عن سن تقاعد خمسة وأربعين عاما ؟؟ فلم لايعدلون أنظمة نقابتهم أيضا بما يجيز للمهندس التقاعد في سن الخامسة والاربعين فيتقاضى راتبا تقاعديا من نقابته ؟؟ لماذا يكيلون بمكيالين ؟؟ حريصون حين يتعلق الامر بصندوق نقابتهم , ومفرطون حين يتعلق الامر بأموال العمال ؟؟
دلوني على دولة في العالم تجيز التقاعد في سن الخامسة والاربعين , سن العطاء والنضوج والخبرة !! , هذا الخلل الفادح في قانون الضمان الاجتماعي أصبح مفسدة للمجتمع , فلم يقل أحد أن التقاعد المبكر الذي يشجع عليه القانون الحالي عبارة عن دعوة مفتوحة للكسل ومشاركة في تحويل المجتمع الاردني الشاب الى مجتمع شيخوخة لرفد المقاهي بمزيد من الزبائن , ولم يتنبه أحد أن التقاعد المبكر في القانون الحالي عبارة عن مساهمة في دفع الناس الى التحايل على القانون وقبض أموال حرام من كد وعرق العمال حين يبدأ المتقاعد مبكرا في العمل خفية عن سجلات وأعين مراقبي الضمان الاجتماعي , ولم يقل أحد أن التقاعد المبكر يشكل دعوة مفتوحة لأختطاف أصحاب الخبرات الفنية العالية من سوق العمل المحلي الى الخارج , اذ مالذي يدفع طبيبا أو مهندسا شابا محترفا للبقاء ما دام يستطيع الحصول على راتب تقاعد مبكر وعرض مغر للعمل في الخارج أو حتى الهجرة ؟؟ .
وهنا تعلن أرقام مؤسسة الضمان الاجتماعي عن حجم الكارثة حين تقول بأن 79 % من أجمالي المتقاعدين على حساب الضمان لعام 2008 كانوا ضمن فئة التقاعد المبكر , وهذا يعني أن فئة الشباب هي التي تخرج الى التقاعد , فهل كانت هذه هي فلسفة قانون الضمان ؟؟ ألم يقولوا لنا عند صدور قانون الضمان الاجتماعي أن أحد أهم مبرراته ضمان راتب محترم عند الشيخوخة ؟؟ فما بالهم الان يكافئون الشباب المتقاعدين براتب محترم ؟؟
هذا خلل كبير والذين يقفون في وجه تصويبه عليهم مراجعة مواقفهم والنظر بعين المصلحة العامة للبلد لا بعين مصالحهم الشخصية , فلن تستطيع نقابة المهندسين ولا غيرها أن تقنعنا بأن في التقاعد المبكر في سن الخامسة والاربعين مصلحة للبلد .
وهناك من يسوق الحجج ضد مشروع القانون دونما علم ولا أطلاع , وربما عن سوء نية بهدف الاثارة وحشد المعارضة وأسقاط القانون فيقولون بأن مشروع القانون يشكل ضربة للرواتب التقاعدية لغالبية العمال الخاضعين للضمان حيث سيؤدي الى تخفيضها بنسبة بين عشرين الى أربعين بالمائة , وبالتأكيد فان هذا خداع مقصود أو غير مقصود لأن المشروع حافظ مكتسبات راتب الشيخوخة لكل من بلغ أجره الخاضع للضمان الف وخمسماية دينار فما دون وهم يشكلون نسبة 98% من المشتركين وهم العدد الاكبر الذي تكونت أموال الضمان من أقتطاعاتهم فهل من العدل تغليب مصلحة 2% وأعطائهم جزءا كبيرا من أموال ال 98% الاخرين ؟؟ , وبالمقابل هناك الكثير من المزايا في مشروع القانون المعدل المعروض على مجلس الامة لايتسع المجال لشرحها هنا وقد بذلت المؤسسة جهدا هائلا في الحوار والتواصل مع كافة مؤسسات المجتمع المدني حول المشروع , ولو أن بعضنا قرأوا المشروع بروح المسؤولية لما أحتاجت المؤسسة الى كل ذلك الجهد في الشرح والاقناع .
كنا نقول أن الثغرة الكبرى التي تفصلنا عن أنظمة وقوانين الضمان الاجتماعي في الدول المتقدمة هي راتب التعطل عن العمل , وكنا نحسد الدول المتقدمة التي لاتترك العامل في الشارع بدون دخل يسد به رمق أطفاله لمجرد أن رب العمل أنهى عمله فتدفع له راتبا الى أن تجد له عملا , وكنا نقول هذا هو المجتمع الذي يحمى أفراده من الضياع , والان جاء وقت تلافي هذه الثغرة المعيبة في القانون فرتب المشروع الجديد أسسا مقبولة لمنح المشترك راتب ( تعطل ) حتى لانلقي به على أبواب صندوق المعونة الوطنية .
وجاء الوقت ليتوقف أرباب العمل عن فصل المرأة من عملها عندما يقترب وقت أجازة الحمل والرضاعة , اذ رتب لها المشروع الجديد تأمين ( الامومة ) بما يكفل راحتها وكرامتها ومصلحة طفلها .
من خلال القراءة القانونية المتأنية لمشروع القانون المعدل فانني أدعو السادة النواب الى سرعة أقراره لما في ذلك من مصلحة عامة واضحة لكل من يحرص على أموال الشعب .