تتناسل الأسئلة وتتوالد في الظروف الاستثنائيّة، ويلقي كلُّ طرف المسؤوليّة على الآخر دون حساب لذاكرة الناس، وكأنّ هؤلاء في أماكنَ متقاطعة، وهم في الواقع في مركب واحد، ولكن ما بالهم تناسوا واجباتهم حتى بات الخوف والقلق هاجسهم؟! وأهمّ الأسئلة: ما علاقة الخوف بالمسؤولية؟ ولماذا بات الخوف يسيطر على المسؤولين؟ وهل يجوز أن يتسلل الخوف إلى كلّ شيء في حياتنا؟ وكيف نقف في وجه التحدّيات والمحن إذا كان منهج الخوف ثقافة بعض المسؤولين؟ ومن يتحمّل المسؤوليّة إذن؟ نحن ندرك أنّ الظروف الاستثنائيّة تخلق الهلعَ والقلق والخوف، ونعرف أنّ الجاهزيّة في أحيانٍ لا تكون بالمستوى المأمول، غير أنّ مسؤوليّة المعنيين في تلك الظروف لمواجهة التحديات وما ينجم عنها تتجاوز حدود المألوف، وقد مررنا في الأيام القليلة الماضية بتحدٍّ مُتجدّد وظروف مُعقّدة أدّت إلى فقدان عدد من أبناء الوطن، وهو ما يدعونا إلى قراءة المشهد بعمق بعيداً عن نرجسية التنظير؛ لكي تتناغم الجهود ويعرف كلُّ طرف حدود واجبه ومدى علاقته، وحينها تستمرّ الجهات المعنيّة في أداء دورها كلٌّ ضمن اختصاصه.
والسؤال المفصلي إذا ما استمرّت الأحوال الجويّة والتقلّبات المُناخيّة على هذا النَّحو: هل نعلن في كلِّ مرّة عن عطلة وإجازة؟ أم لا بدّ من تغيير الصّورة النمطيّة التي تعيق ترتيب أولوياتنا وتؤشّر إلى خلل كبير بات يتلبّس الجميع؟ يأتي الشتاء وكأنّ البلد في حالة حرب! وتعالوا معي لنقرأ هذه الأحوال في السنوات العشر الأخيرة ونقارنها بمثلها قبل عقدين أو ثلاثة عقود من الزّمان، يوم كانت الأحوال الجويّة بأمطارها وبردها وثلوجها لا تنقطع، ويوم كانت الإمكانات الاقتصاديّة والحياتيّة متواضعة جدًّا؛ فقد كانت أيام الشتاء حالكة وبردها لا يُتَصَوَّرُ والناس بالكاد يملكون شيئاً من المال، كما كانت وسائل التواصل والاتصال في حال غير حالها اليومَ، فلا إعلام غيرَ الإذاعة، ولكنهم رغم ذلك كلّه كانوا يملكون العزيمة والهمّة والقوّة والصّبر والأرادة، أمّا اليومَ فبات المشهد غرائبيًّا؛ حيث لا نكاد نعرف كيف الخلاص من حالة الهلع والخوف التي ترافق الإعلام والناس، ولا الخلاص ومن أجواء انعدام الثقة بين الأحوال الجويّة وقلّة استقرارها معَ كيفية رصدها وكيفيّة تعامل الناس معها.
إنّ سيطرة ثقافة الخوف على الناس والمسؤولين أمرٌ غير مُستحبّ لأنه يؤدّي الى الارتباك وعدم تحمل المسؤوليّة؛ لذا لا بدّ من نهج جادّ وفاعل للانتقال من أجواء الخوف تلك إلى حالة من الثقة وتحمّل المسؤوليّة وأخذ الحيطة والحذر في مواقف التحدّيات الاستثنائيّة، وهنا تقع المسؤوليّة على المواطن أيضاً لكي لا يقّرر هو بنفسه أنّ الظروف غير مناسبة وأنّ مواجهة الأخطار تحتمّ عليه ألّا يغامر في ارتياد الأماكن الخطرة، كما في حادثة البحر الميت التي أُلقيت فيها المسؤوليّة على وزير التربية والتعليم السابق الدكتور عزمي محافظة ووزيرة السياحة لينا عنّاب، وهما ليسا مسؤولين عن التغيّرات الجويّة ولا عن طبيعة الأرض التي ارتحل إليها الطلبة، وقد كانت حدود مسؤوليتها سياسيّة بامتياز، وحينذاك ثار بعض النوّاب وأعلنوها حربًا على محافظة، حتى إننا لم نقرأ من هؤلاء كلمة تدين الظروف الاستثنائيّة والتقلّبات الجويّة التي أربكت الجميع، بدليل ما حصل في الأسبوع الماضي في البتراء والوالة ومليح ومعانٍ وضبعة، وهي مناطق فاضت فيها المياه لدرجة غير مسبوقة، وكانت نتائج ذلك حسرات على أهلنا المتضرّرين منها، واليومَ بات لزامًا أن يكون خطابنا واقعيًّا وتعاملنا مع الظروف الاستثنائيّة أكثر حذرًا وجادًا؛ لكي لا تأخذنا الفزعة إلى صور نحن في غنى عنها. وعليه، فإننا نحتاج إلى همم الرجال وإلى العزيمة وإلى الصبر وإلى الرؤية.
mohamadq2002@yahoo.com
الرأي