بالتمعُّن في الملف المتكامل الذي نشرته "الغد" عن حالات سحب الرقم الوطني من ذوي البطاقات الصفراء، تبدو الأرقام متواضعة، في عهد وزير الداخلية الحالي نايف القاضي، مقارنة بالسنوات السابقة، ما يدفع إلى التساؤل حول أبعاد "الهجوم" الشخصي عليه من قبل كُتّاب وإعلاميين، طالما أنّها سياسة حكومات متعاقبة.
هذا الملف حسّاس ومعقّد، يجب النظر إليه من زاويتين متقابلتين، الأولى سياسية- سيادية، تعبر عنها المؤسسات الرسمية، وتمس الأمن الوطني الأردني بالحفاظ على الهوية الفلسطينية لمن تعود أصولهم إلى الضفة الغربية، ويشملهم قرار فك الارتباط. والثانية إنسانية رمزية، تشتبك بالأجيال الفلسطينية التي وُلدت وعاشت في الأردن، وتشعر بالانتماء لهذا الوطن، وترفض أن تكون هذه المواطنة وذلك الانتماء "مهددين".
لا يمكن التقليل من الأبعاد السياسية لهذا الموضوع، في ظل سياسات إسرائيلية معلنة وعملية، لنقل الكرة الملتهبة إلى الأردن، وفرض سيناريو "الوطن البديل"، والتخلص من استحقاقات "القنبلة السكانية الفلسطينية"، وما يضاعف من هذا التهديد الاستراتيجي التحول العام في المزاج الإسرائيلي نحو اليمين المتطرف. ما يعني أننا أمام سؤال يتجاوز إجراءات الدولة وسياساتها إلى استحقاقات الحفاظ على الحقوق الفلسطينية.
فهل من المصادفة أن يقوم، اليوم، قطبا السياسة الفلسطينية، الرئيس محمود عباس، وخالد مشعل، بالتأكيد على أنّ فلسطين هي فلسطين والأردن هو الأردن، وعلى رفض التوطين، ومقولات الوطن البديل، إذا لم يكن هنالك تهديدات حقيقية لتصفية القضية الفلسطينية، حيث يقع ملف الضفة الغربية في صميم المعركة السياسية مع إسرائيل؟!
ما يثير القلق، بصورة أكبر، أن يتزامن طرح هذا الموضوع، اليوم، مع تشكيك سياسيين وإعلاميين بأثر رجعي بدستورية قرار فك الارتباط السياسي والإداري مع الضفة الغربية، ما يتصادم بعنف مع مشروع "الدولة الفلسطينية على حدود عام الـ67" القابلة للحياة.
في الرد على ذلك أُحيل، هنا، إلى مقال الأمير الحسن بن طلال "الشأن الفلسطيني: أفكار وطروحات" (نشره قبل سنوات في الزميلة الرأي)، أورد فيه ما جاء في مقررات اللجنة السياسية لمجلس جامعة الدول العربية في عام 1950، بأنّ ضم "الجزء الفلسطيني" إلى الأردن، هو "إجراء اقتضته الضرورات العملية، وأنّها تحتفظ بهذا الجزء وديعة تحت يدها على أن يكون تابعاً للتسوية النهائية للقضية الفلسطينية".
في المقابل، هنالك جانب إنساني ومدني، وحتى رمزي، لا يمكن تجاهله أو القفز عنه، بخاصة أنّ حرص الحكومة على احتفاظ أصحاب البطاقات الصفراء بهويتهم الفلسطينية، وعدم التنازل عنها، لا يرتبط بقرارهم الذاتي في أحيان كثيرة، وإنّما بإجراء إسرائيلي تعسفي، ما يجعل العديد منهم يدفعون كلفة إنسانية وسياسية باهظة، وتصبح هذه القضية كابوساً بشعاً ومصدر قلق لمستقبل الأسرة وحقوقها وشعورها بالأمن الإنساني والسياسي والاجتماعي.
للأمانة، أغلب الحالات التي تطلب منها وزارة الداخلية تصويب أوضاعها تتم وتُنجز، ما يساعد في احتفاظها بحقوقها في الأردن وفلسطين. لكن هنالك حالات استثنائية، وظروفا إنسانية قاهرة، لا يجوز أن تكون خاضعة لقرار موظف وتقديراته الخاصة، من دون وجود إجراءات وخطوات واضحة وشفافة من قبل الحكومة، ويتم توضيحها في الإعلام، ما يُزيل الالتباس حول هذا الإجراءات، وما يترتب عليها، على صعيد الحقوق المدنية والإنسانية والسياسية والقانونية، إذ ما تزال تلك الجوانب غامضة.
الوضع الأردني استثنائي بامتياز، تتداخل فيه الاعتبارات السياسية والإنسانية والاجتماعية، وتمس جميعها سؤال المواطنة والهوية والجنسية، وذلك يتطلب خطاباً متقدماً من الدولة وتفاهماً وتناغماً حول القضايا الرئيسة لتكون المواجهة السياسية مع إسرائيل، لا معركة داخلية تثير الحساسيات والنزاعات بين شرائح المجتمع!
m.aburumman@alghad.jo