الإشاعات والأقاويل متى يترفع عنها البعض ؟
05-07-2009 05:37 AM
لا شك ان الكذب هو أحط صفة لا أخلاقية قد تلتصق بإنسان ما باعتباره منحرفا عن سوية البشر ، لذلك فإن خطر الإشاعات الكاذبة تعد فيروسا قاتلا لحياء الرجال ، وكرامة النساء ، والأسرية المجتمعية ، وهي عمل فاسد لا ينتج إلا مفسدة ..
وكثير ما كان الكذب سببا في خراب البيوت وضياع البلاد .. ألم يكذب الإرهابي الكبير جورج "طبليو " بوش وزمرته من الأفاقين ليبرروا غزوهم للعراق ودماره وقتل نسيجه الاجتماعي ، وغزو افغانستان وتحويله الى شعاب موت ومدن خراب .
في بلادنا .. أصبح الكذب حاضنة لتفريخ مئات الإشاعات .. وبعض الإشاعات سارت بها الركبان ، وحملتها اماكن الولدان ، وصدقها الكثير من الشخصيات المرموقة وأهل السياسة والإدارة دون تكليف العقل باستمزاج الفكر لمعرفة الوقائع ودأب البعض على اختلاق الذرائع للتنفيس عن أحقادهم أو أوهامهم أو أمراضهم النفسية .
ولعل من نافلة القول إن إشاعة تغيير الحكومات أو ترحيل صاحب أحد المناصب العامة الهامة هي أكثر الإشاعات استحسانا وقبولا لدى العامة ، وإطلاق الإشاعات من فئة ضلت عن السبيل وحادت عن طريق الحق هي قضية تشبه التنفس أو الإرماش بالنسبة لهم .. دون وعي أو إدراك لنتائجها عند أصحاب المناصب الذين لا هم لهم سوى تحصين مقاعدهم ، ما أصبح يشكل عبئا جديدا على عبئنا القديم في سلحفائية عمل الوزارات والدوائر والمؤسسات العامة ، لأن الـُمشاع عنه يصاب حينها بالكساح ويعجز عن تصريف الأعمال ..
كيف لا وهو يظن ان منصبه قد اشتراه بمال الوالد ، أو هو إرث العائلة لا يسمح لأحد الاقتراب منه .. وكل ما يقوم به ذلك الذكي بالفطرة هو منة يتمنن بها على الوطن وعلى المواطن .
القضية لا تتوقف عند استهداف الحكومات او المناصب العامة ، فذلك شأن يعده بعض أهل السياسة ضربا من ضروب الحرب الباردة بين أطياف الخلاف ، وهو حرب نفسية تمارسها فئة ضد فئة .. أما المشكلة الكبرى فهي في استهداف أشخاص أبرياء بعينهم ، دون دليل قاطع لاقترابهم من المحظور أو الفساد أو الإفساد أو حتى الاشتباه بهم لدرجة النصف .. وهذا ما ينتج للأسف مجتمعا ملوثا بشريحة نمامة ينساق وراء الأكاذيب والتهريف والقذف وترويع أمن الإنسان الذي قد يكون أبعد ما يكون عما يوصف به أو يشاع .. وأنا هنا لا أقصد شخصا بعينه ، بل انها عموميات قتلت احساسنا بجمال العمل العام ، وبالانتماء الى مجتمع الفضيلة الذي كنا نفاخر به ألا وهو مجتمعنا الأردني الذي كان يرفع شعار المروءة والرجولة في قول الحق ، والصدق في التعامل مع الآخرين ، قبل أن تتبدل الأحوال ، وتستطفل الرجال ، وتستمال الضمائر بالمال .. ونستبدل القمر بالهلال !
وللأسف فإن رسل تلك الإشاعات ما هي سوى "صالونات " حلاقة للشمائل ، وأشخاص لا يفرقون بين الفضائل والرذائل ، ليس لهم هم سوى إيقاع الفتنة بين الناس ، أو بين الأركان ، ولو استطاعوا لرموا الفتنة بين الإنسان وظله .
ثم ماذا ؟ .. ثم تأتيك صحافة ليس لها حظ من الصحافة سوى استسهال العمل بها ، وأشخاص تبرعوا " لمنظمة شياطين بلا حدود " تسعى بين الناس بالفساد والنميمة والكذب .. ليس لها من الأخلاق وشيم العرب حظ .. تباع وتشترى بلقمة " منسف " أو بكأس خمر في مكان قذر ، يعرفون جيدا كيف يحرفون الكلم عن مواضعه ، ولا يعرفون كيف يقيمون أود الكلمات .. غلبهم طلاب البيضة والرغيف !
ما يدفعك أحيانا الى الانحياز للقمع ضد هذه المظاهر التي يبحث أشخاصها عن مكان لهم بين الرجال ليهرفوا بما يعرفوا وما لا يعرفوا ، هو اكتشافك لطينة تجار الإشاعات والأقاويل والدسائس .. فهناك مؤسسات مهمة لم تسلم من " الطخ بالفشق الفاضي " عبر الصحافة دون أي رادع أو وازع أخلاقي ، ما ينبئ عن حالة من الابتزاز يمارسها البعض ضد أي صيد دسم قد يرصدونه .. وللأسف فالمعلومات تفيد بقائمة تسعيرة الكثيرين ممن ينفثون بكير أفواههم أعراض الناس ، وكرامات الناس ، و خصوصياتهم
فمثلا ..عند توزيع جائزة الملك عبدالله للتميز .. ضحكت وسألت نفسي كيف الوحدة الاستثمارية في الضمان الاجتماعي على جائزة التميز لو ان الاستهداف المكشوف الذي طالها صحيحا في ذلك الوقت وليس اليوم .. ولماذا سكت من أشبعوها شتما آنذاك ، بعد ذاك ؟ هل كان الصيد عاجفا ؟ أم ان الجائزة ذهبت لمن لا يستحقها ؟
كتاب متميزون مخلصون ، وصحف وطنية جادة جدا ، وزراء مجتهدون ، مسؤولون اجتهدوا بما يملكون للحفاظ على ما تملكون ، شخصيات وطنية ضّحت بأعمارها في محاولة لخلق واقع فاضل ، ومستقبل أفضل .. عائلات مستورة .. وغيرهم من الأمثلة .. دهنتهم ألسن الدهاقنة بالقطران لغايات بائسة .
رئيس جامعة اعتقل وأطلق سراحه ، ولم نعرف حقيقة الأمر .. سوى ما أشيع أنها إشاعات تطورت الى شبهات فساد ، ثم خبت أوار نار مكافحة الفساد دون ان نعرف السبب ، كما تقطعت السبل بمجموعة القناصة التي كادت أن تأتي بصيد فساد من خليج العقبة .
الإشاعات زوجت شخصيات ، وطلّقت نساء غافلات من أزواجهن ، وألبست أثواب فضفاضة لأشخاص رفيعي العود ، حتى يخيل لك إن الحكاية لو كانت صحيحة لخرج ذلك " المثاب " كأنة خيال المآتة .. المعنى ان البعض يحاول الوصول الى الكرسي الكبير بإشاعة رغم انه لا زال بحاجة الى " فت خبز " ليكبر ويعبئ الكرسي .
قبل الختام سأذكر قصة مأثورة عن نائب اليوم، وزير الأمس د. ممدوح العبادي " ابو صالح " والذي قال :
سرت إشاعة بين الناس أطلقتها الفئة الظالمة مفادها : إن صالح إبن ممدوح العبادي رجل فاسد ومتهم بقضايا فساد ورشاوى وغيرها .. العبادي يقول المشكلة ليست في إن " إبني صالح " غير صالح ، بل المشكلة إنني استهلكت من العمر ثلاث سنين وأنا أقنع الناس إنه ليس لي أبن ، فالله رزقني بالبنات فقط !
لذلك كان من الأشرف للناس أن تبتعد عن الافتئات على خلق الله ، وقذف المحصنات ، والتشكيك بالولاءات ، وتصنيف البشر حسب الأهواء والاشتهاء .. وبث الإشاعات بمناسبة وبغير مناسبة .. فالوطن المحترم هو الذي يضم مواطنون يحملون الصدق على ألسنهم والشجاعة في قلوبهم ، والإخلاص في أعمالهم ، والشرف شمائلهم .. وخشية الله بين عيونهم .
Royal430@hotmail.com