أثار خطف وضرب السيد يونس قنديل أمين عام منظمة "مؤمنون بلا حدود" ردود فعل متباينة بين من يؤيد الفعلة ويطالب بما هو أكثر من الخطف والضرب والتشويه وبين من أدان الفعلة ورفضها.
الحكومة زارت الضحية وعبرت عن رفضها للعنف وتنتظر نتائج التحقيقات. المؤيدون للاعتداء يبنون موقفهم على خلفية ما ساد من اعتقاد أن السيد قنديل "كفر" بسبب عزمه والمنظمة التي يدير عقد مؤتمر يناقش انسداد مسارات السرديات الإسلامية، أي غلق باب الاجتهاد، ويتطرق لتاريخ الدين والتدين وتم تفسيره من قبل بعض، وليس كل، الإسلاميين أنه خروج عن المسلمات الدينية بسبب استخدام بعض الكلمات غير الواضحة من قبل بعض المشاركين المحتملين في برنامج المؤتمر.
ليس كل الإسلاميين متفقين مع الرافضين للمؤتمر والمحرضين ضد منظميه. ويعني هذا أن الموضوع جدلي وإصدار حكم ديني من قبل "سياسيين" إسلاميين بإدانة المؤتمر ومحاكمة المنظمين على نياتهم وبأحكام مسبقة لا يحظى بإجماع تيارات الإسلام السياسي المتعددة.
الرافضون للاعتداء ينطلقون من خلفيات متعددة كذلك؛ منهم الإسلاميون والمتدينون واليساريون والمدنيون والعلمانيون والديمقراطيون والمؤمنون بالتعددية والحرية في الاعتقاد والاختيار. ومنهم من اتهم تيارات الإسلام السياسي جميعها بأنها مسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن التحريض على الاعتداء واستخدام العنف في الاختلاف في الفكر والاعتقاد. الشطط بأي اتجاه مضر بالنسيج الاجتماعي وغير مفيد لرفد مسيرة الحوار العقلاني الراشد. ويجب على الحكومة صاحبة السيادة هنا إنفاذ القانون بكامل سيادته ليضمن الجميع أنها تقف على مسافة واحدة من الجميع بما يحفظ الوئام المدني والسلم المجتمعي.
عقلنة الخطاب في المجال العام تقع على عاتق المثقفين والحكومة كشركاء في الحفاظ على أمن الوطن. وإذا انساق المثقفون، بكافة مرجعياتهم، والحكومة خلف الجهل والشعبوية، سواء بقصد أو بغيره، فإن قبول العنف كأداة في الجدل الفكري يصبح خارج السيطرة لأن الأقل عقلانية ورجاحة وعلم هم من سيقودون العنف والعنف المضاد وليس المثقفون والسياسون الناضجون. ولأن للعنف بيئة حاضنة في مجتمعنا، يصبح دور الدولة الفاعل وغير المتسامح بسيادة القانون أكثر من مهم.
إذ تشير نتائج أحدث دراسات المسح العالمي للقيم التي نفذتها نماء للاستشارات الاستراتيجية في عدد من البلدان العربية ومن بينها الأردن على عينة وطنية ممثلة من 1203 مقابلات، إلى أن تأييد العنف يتراوح بين 1.5 % - 10 % بين البالغين (أعمارهم 18 سنة وأكثر) من المواطنين الأردنيين. إذ بلغت نسبة من يؤيديون الإرهاب كوسيلة فكرية أو سياسية أو دينية 1.5 %، و 5 % يؤيدون العنف ضد الآخرين عموماً. وتم احتساب هذه النسب من مقياس 1 إلى عشرة، حيث تعني 1 أن العنف غير مبرر إطلاقاً و 10 أن العنف مبرر دائما والنسب المذكورة هنا هي قيم من 6 – 10 على هذا المقياس. وهذه قراءة متفائلة للأرقام.
أما القراءة الأقل تفاؤلا فهي التي تستثني من قال إن العنف غير مبرر إطلاقاً على هذا المقياس بوصفه موقفا جذريا ضد العنف وتجمع كل من اختار أيا من أرقام المقياس من 2 وحتى 10، أي أن لديه تبريرا للعنف بدرجات مفاوتة، أي أن موقفه غير جذري. إذ تتراوح النسبة بين 12 % - 45 % يبررون العنف بدرجات متفاوتة. إذ يبرر العنف السياسي والديني والفكري بنسبة 12 %. وبغض النظر عن كيف نحتسب نسب تبرير العنف في مجتمعنا علينا أن نتحسّب كثيراً قبل قول إننا نحتسبه عند الله شهيداً ويحتسبه آخرون قتيلا زنديقا كافرا. وينبغي أن نتذكر أننا نعيش في مجتمع متدين ومحافظ يقول 79 % من أفراده البالغين بأنهم متدينون، و20 % أنهم غير متدينين، ويوافق 96 % على أنه في حال تعارض الدين مع العلم فإن الدين هو الأصح، ويوافق 94 % أن الدين الوحيد المقبول هو دينهم، ويقول 98 % منهم أن الله مهم في حياتهم حتى لو لم يكونوا متدينين.
جميع هذه المؤشرات تقول لنا إنه لا يُمكن أن يُترك مجتمع بهذا القدر من التدين فريسة للاستغلال السياسي للدين من أي طرف كان. فالدين لله والوطن للجميع، والجميع سواسية أمام القانون والدستور. حالة الإنكار والتخفي خلف غطاء شفاف لن تخفي مشكلة استغلال الدين لتبرير التطرف والعنف أو التحريض عليهما، وباتجاهات متضادة، في مجتمعنا وتبريرهما تحت ذرائع شتى. وعليه لا يمكن لمن ينشد العدالةَ التسامحُ بسيادة القانون كمبدأ للعدل.
* رئيس مجلس إدارة نماء للاستشارات الاستراتيجية
الغد