عندما يكونُ الجرحُ في الكَــــفّ!
سليمان الطعاني
12-11-2018 12:15 PM
عند الألم أقرعُ كل أبواب النسيان، أغوص في ثنايا العمر المتهالك أنشد الذكريات لأشركها في أمري علّها تشد من أزري، بعض الناس يبكي لكي ينسى، والبعض الآخر يضحك لكي ينسى، وبعضهم ينام لكي ينسى، أو يتحدث بصوت مرتفع لكي ينسى، وآخرون يصمتون لكي ينسوا...
أما أنا بكلٍ تداويتُ فلم يَشفَ ما بي، تداويت بكل ما ذكر وطرقتُ الأبوابَ كلّها لعلّي أنسى صنائعهم وقبحهم وبقيت وحيداً وفي جوفي ألف بركان تحدثُك عن شغبهم وضجيجهم وسوءاتهم وعوراتهم التي تكشّفت لي على مدى سنين عجاف طوال ذهبت ما بينَ أحلامٍ توارى سحرها، وبريق عمرٍ صار محض سراب، فشاخت ليالي العمر منّي فجأةً، في زيف حلمٍ خادعٍ كذّابِ...
أنا لا أنسى كل ليلة اختنقت فيها همًا وانقبض قلبي فيها حزنًا ولم أجد حولي أحداً وأنا أنظر الى الأمور من زاوية الخير فقط ومن زاوية عشقي للسنابل التي تفتّحت في حياتي انشودة الأناشيد رقةً، وانتشت بها روحي الكئيبة حبّاً وغنّت لها نفسي كالبلابل كالأحلام كاللحن كالصباح الجديد كالسماء الضحوك كالليلة القمراء..... غنّت لها بكل اللغات والألحان!
لكن رائحة الألم تلاحقني وتلتصق بكل الأشياء عندي فلا ينفع معها نسيان ولا تناسي، حقاً كلما التأم جرحٌ جدَّ بالتذكار جرحُ، أنا حرٌ طليق ولكنني عاجزٌ عن الحراك فالجرحُ في الكفِّ والسكينُ في الخاصرة والجروح غائرة والخنجر في الظهر... حالة تنكسر معها القلوب وتتهاوى الذكريات وترى الأشياء تتلوث وانت تتألم بصمت، خيبات وانتكاسات متتالية ماتت معها أغصان وجفت معها ينابيع والأماكن كما هي والليالي حالكة والذكريات صدى السنين العجاف التي لم تبقِ لي شيئا.
إلتمسْ لي عذراً يا صاح فالجرح في الكف أدمى مقلتيّ قبل كفي، ونكّل بي ولم يبقِ لي غير حزن وتبريح وكآبة وسقام، أنا يا صاح لم أعد كما عهدتني ففي النفس آفاق ووديان ولعله زمان غير زماني! ولا حتى المكان مكاني، والاحساس ليس احساسي وكل الأشياء من حولي لا ترغب بصحبتي، ربما لأنني أصبحت عاديّاً احتياطياً شيئاً زائداً ... عتيقاً أتخذُ من الصمت محطةً، ومن اللامبالاة سكناً، ردودي مختصرة وكفاءاتي أصبحت متدنية وليس عندي القدرة على التكيف مع الموضة!
نعم، أدركتُ متأخراً، ومعظم الأشياء تأتي عندي متأخرة كالعادة! أدركتُ أن فخامة الاسم لا تكفي عندما يكون الأصل مشوّهاً والصورة ضبابية والسيرة هلامية، والرعونة والجهالة شعاراً وعندما تكون علامات التعجب التي تطرز عباءاتهم الرثّة، ما هي إلا أقنعة يغطون بها قبحهم ووجوههم البشعة التي تقاسمتُ معها الذكريات الأليمة .. حينها عرفتُ أن مشكلتي تكمن في عفويتي التي لم تصل الى درجة خيانتهم بعد، وأن من أغرقتهم بالاهتمام أغرقوني بالألم وان من غدر بي هو من سلمته مفاتيح حياتي!
سلامًا على الذين إنْ خاننا التّعبير، لم يخُنهم الفهم! وإذا فسَدَت مفرداتُنا، أصلحوا نواياهم...