لم نكد نصحو من فاجعة وادي الموت في البحر الميت قبل اسبوعين، حتى صفعتنا فاجعة جديدة مساء الجمعة عقب هطول مطري عادي حين نقارنه بأمطار سنوات الخير قبل ثلاثين أو عشرين عاما، لقد كانت الأودية التي غرق فيها الضحايا تحمل كميات مياه أكثر مما رأينا، والأودية تتحول الى أنهار شتوية عبر مسافات تزيد على مئات الكيلومترات، ولم يحدث ما حدث خلال السنوات القليلة الماضية أو الأسبوعين الماضيين، وحتى ساعة كتابة المقال ظهيرة أمس السبت وصل عدد المتوفين الى 12 شهيدا غريقا، بينهم الشهيد الغطاس دفاع مدني حارث الجبور، ولا زال البحث جارياً عن آخرين، فما الذي تغير علينا ؟
في الكارثة الأولى استخدمت قوى الرفض حادثة وادي ماعين للهجوم على الحكومة، و ركزت الحكومة في المقابل جهودها للدفاع عن نفسها، وبين جيش السوشال ميديا ومجلس النواب واضطراب الحكومة التي وقعت في حيص بيص، نسي الجميع الأثر القانوني والنفسي لأسر الضحايا، بل عوقبت مديرة المدرسة بالسجن رغم فجيعتها، والأصل أن تبدأ الحكومة، وتبدأ العمل على ترحيل المواطنين في المناطق المنخفضة ومجاري الأودية بالقوة الجبرية، وان يشكل الوزراء المعنيون خلية عمل دائمة تعمل في المواقع الخطرة لتجهيز بنية تحتية وتنفيذ ما جاء في تقرير اللجنة النيابية الخاصة بالقضية.
وادي الهيدان اليوم، ووادي ماعين قبله، ووادي الوالة بعدهم، جميعها تستقبل المياه المنحدرة من الأودية الممتدة طبيعيا، من شرق وجنوب منطقة زيزيا والمشتى وشرق المطار والثمد وضبعة ووادي الحمام والعنفدان حتى وادي الغدف الممتد من الأراضي العراقية غرب الأنبار باتجاه الرويشد الى شرق الأزرق وباير لتصب أخيراً في وادي الرميل أم الرصاص وهو المغذي الرئيس لسدود ماعين والوالة والهيدان، حيث تجمعت فيه المياه في شباط بداية هذا العام ،واقترحت بناء سد طبيعي فيه ليخفف سرعة التدفق نحو السدود الأخرى.
المشكلة أن وسائل الإعلام خصوصا المحطات التلفزيونية غرقت في مقابلات لكل من هب ودب، وما أكثر الأذكياء حين تعدهم ولكنهم في النائبات قليل، وانشغلت بالاتصالات والنقل دون متابعة او تحليل لواقع المشكلة من الأساس، ولهذا كان البديل المعلومات غير الصحيحة أو الدقيقة، وهذا يؤشر على جهل واضح في إدارات الإعلام الرسمي والخاص، فالجميع يظن أن النقل الإخباري هو إنتاج مسلسل ريفي أو بدوي حسبما يراه المخرج.
هذه العجالة من شرح لامتداد الأودية الطويلة يجب أن تكون بداية عمل للحكومات لمشاريع الحصاد المائي عن طريق بناء السدود في البادية لتحمي البنية التحتية وتحافظ على المواطنين وتغذي الرصيد المائي الذي نشحذه من أعدائنا، أما أن نبقى في حالة إنكار رسمي وجهل شعبي لكيفية التعامل مع الطبوغرافيا الطبيعية لأرضنا، فهي من نتاج سياسة التنعيم التي حولت أبناء القرى الى مستهلكين غير منتجين، يغرقون في سيول الأودية، فيما البلد تغرق في شبر من الماء نتيجة تهالك البنية التحتية والغش المسكوت عنه، وإحالة العطاءات للمتنفعين من المتنفذين وإحالتها الى شركات بالباطن غير ذات كفاءة، ولنا في شوارعنا أكبر عبرة، فمتى يستيقظ الشرف الوطني والوظيفي لمحاسبة الجميع بمعيار الكفاءة.
تعازينا الحارة لهذا الوطن.
Royal430@hotmail.com
الرأي