صدور "الأرض المشتعلة" للقاصة سحر ملص
10-11-2018 05:16 PM
عمون - صدر للقاصة سحر ملص عن دار اليازوري مجموعة قصصية بعنوان "الأرض المشتعلة"، حيث أهدت ملص هذه المجموعة المثقلة بالوجع إلى"سورية أرضًا وشبعًا، ماءً وترابًا ومدنًا محترقة إلى روح أخي هاني إلى أمي ومسقط رأسي دمشق".
تفوح من هذه المجموعة رائحة الموت الذي يعم العالم بسبب الحروب التي تجتاحه والتغيرات التي فرضتها على الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والإنساني وأثارها النفسية على المواطن.
تقدم ملص مفاتيح وعتبات لمجموعتها القصصية من خلال القصة الأولى "مواء"، التي تسرد فيها قصة المرأة التي تخرج من بيتها في يوم ماطر لتسمع مواء داخل العربة التي تريد أن تركبها ما أن تدير عجلاتها. تبحث المرأة بلهفة في كل أركان العربة علها تجد القطة، وبعد عناء من البحث تكتشف أن المواء يخرج من أعماق قلبها، فتجهش بالبكاء مع السماء.
تفتح القصة الباب على بانوراما ترصد وتوثق وتسجل فيها ما تفعله الحروب من قتل وتمزق وتشرد وتشتت واغتيال للطفولة، فالأطفال والنساء يأخذون الحيز الاكبر في هذه المجموعة، فهم وقود الحروب المندلعة في الحروب.
تفضح ملص في مجموعتها الوجه البشع للحروب الذي يدمر الوجه الجميل للمدن العربية العريقة ذات التاريخ الثقافي والجمالي، مثل دمشق بغداد اليمن، وغيرها من المدن التي استوطنتها البشاعة والموت الذي أصبح حدثًا يوميًا عاديًا فيها.
تستحضر ملص في قصة "سباح ماهر"، قصة الطفل السوري عيلان الكردي (3 سنوات) الذي وجد ميتًا على شواطئ تركيا، فتحدثنا عن حلمه بالحياة والفوز في مباراة السباحة النهائية، ولكنه يخسر المباراة النهائية عندما هاجر مع أفراد أسرته من الشام إلى أوروبا وتلقى جثته على رمل الشاطئ. فالحرب لم تمهله حتى يحقق هذه الاحلام.
مجموعة "الأرض المشتعلة" تأكد أن مهمة الأدب هي الكشف عن بشاعة الواقع وليست تجمله، خصوصًا وأن القتل والموت هو فعل مستمر ودائم في هذه المرحلة في الوطن العربي الذي يشتعل بالحرائق من كل حدب وصوب، لتأتي هذه القصص لتقول لصاحب القرار "كفى موتًا وقتلًا، دعونا نعيش بسلام، دعوا الأطفال يبنون مستقبلهم ويحققون أحلامهم".
لم تخض ملص كثيرًا في تفاصيل شخوصها، بل ركزت على لقطات مفصلية في حياتهم بالاستعانة بالقصة القصيرة جدًا التي تختزل لقطة بسطور قليلة لا تتجاوز السطرين أو ثلاثة، فالتفاصيل تعد ترف في هذه الحالات التي يحوطها الوجع.
قصة "بذار"، التي تتحدث عن فلاح خرج مع تباشير الفجر يحمل بذار القمح ليبذره في أرضه التي بقي فيها وحيدًا وسط جراح وخراب البيوت المهدمة. قبل أن يهاجمه المسلحون ببنادقهم المصوبة إلى رأسه، "أمسك بحفنة قمح، نثرها في الأرض لعلها تنبت سنابل لأطفال قادمين بعد انطفاء شعلة الحرب".
الناقد الشاعر د. راشد عيسى كتب مقدمة للمجموعة يرى أن ملص تواصل في "الأرض المشتعلة"، رحلتها مع القصة القصيرة، وكأن القصة صيدلية الروح التي تخبئ فوق رفوفها عقاقير الآلام بحثًا عن طب إنساني بديل يجعل المعنى الذكي حبة "ريفانين".
كما أن ملص في هذه المجموعة، كما قال راشد، تقفز من سياج المبنى التقليدي للقصة القصيرة لتؤسس عمارات سردية أكثر حداثة وأعمق جرحًا، وأرحب إيحاءً وتلميحًا، فتبني قصصًا أصغر حجمًا، لكنها أوسع دلالة وألذ حرفية في الاقتصاد اللغوي، وهي ما زالت محافظة على بساطة اللغة المتداولة، ومقومات الحكاية المألوفة، غير أنها منهجت هذه اللغة بأسلوب تقني شجاع، وهو أسلوب المفارقة وكسر التوقع، أو ما يمكن تسميته الانتصار على خاتمة القصة، بضربة الفرشاة الأخيرة، التي تجعل المتلقي مبعثرًا بالذهول والاستغراب الملتفا بالمتعة الباهظة.
وعن الجديد الذي تحمله هذه المجموعة فقد رأى راشد فيها استثمار لأحداث الحروب وويلاتها، واقتناص مشاهد الفجائع وتصويرها، بطرائق شتى من الإيماض النبيه الذي تنحاز معانيه إلى نصرة الإنسان والخير وقيم المحبة والجمال. أما الجديد المدهش، فهو بطولة الأنوثة فالمرأة بطلة لأكثر من ثلثي قصص المجموعة.
بينما رأى الناقد نضال القاسم أن ملص من خلال تقنيات سردية حداثية متنوعة تقوم على التحبيك السردي المرتكز على الحوادث والشخوص والفضاء السردي والتعاطي مع المؤثرات المحددة لنسقية الأفعال والرموز الموحية بمنظورات ذاتية وموضوعية، وبلغة موجزة موحية مكتظة بحركية الحياة وموجودتها مع توظيف ذكي للمجاز بكل أنواعه الاستعارية والرمزية بثورة الرؤيا القائمة على اللإدهاش وعلى صهر الرؤيا الإبداعية في أحضان المضمون الفكري المتلمس للواقع الإنساني بتكنيك حكائي يستند على مجموعة من المحاور الدلالية التي تترجم تداخل الاجتماعي والإنساني، وانصهارهما فنيًا في بوقتة الوجود الموضوعية التي تتشكل من تخطي المشاعر ووصف الانفعالات بعيدًا عن الاستطراد.
فيما قالت القاصة سحر ملص في تصريح صحفي إنها لم يخطر ببالها يومًا "أن سورية الجميلة بشعبها، ومدنها وبحرها وجبالها وغاباتها تشتعل. لم أفكر يومًا ولا حتى للحظة أن يتشتت الشعب السوري في أرضه وهو العاشق لها، والصانع من حياته أساطير تحكي عن أرض أوغاريت وأبجديتها.
ولم يخطر ببالي ترك عرش زنوبيا في تدمر، فقد كانت القضية الأولى في حياتنا هي قضية فلسطين وتشريد شعبها واغتصاب أراضيها، وكانت لنا أحلام ممتدة من الخليج ألى المحيط، لكن ما حصل من اشتعال في أراضي الوطن العربي تحت العديد من المسميات مثل ليبيا واليمن وسورية، من قبل العراق أحال حياتنا إلى لهاث متعب، وعشنا قصة سريالية نتجرع أحرفها ومفرادتها في كل لحظة وكان ضحيتها الشعب العربي، وما شاهدناه من فظائع وقعت على منكوبي الحروب في تلك المواقع من الوطن العربي"، لذلك اندفعتلكتابة قصص الأرض المشتعلة حاملة في كلماتها معاناة الناس من رجال ونساء وأطفال فكانت قصص موجزة وموجعة بذورها نيران الحرب هنا وهناك".