بدأت حملات التعري مبكرا هذا العام ، حتى قبل أن تحل الموجات الهندية الملتهبة على بلادنا ، فما بالك حين تصل الحرارة إلى خمس وثلاثين درجة؟،
بناتنا يعشن حيرة ما بعدها حيرة ، فهن يعشن في مجتمع يفترض انه محافظ ، وغير متسامح مع كشف محاسن ومفاتن المرأة ، صغيرة كانت أم كبيرة ، ويفترض أيضا أنهن مسلمات لكن في مجتمع غير محتكم لقانون الاسلام ، الذي حدد لباس المرأة على لسان أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها بقولها أنه "لا يشف ولا يصف" مع العلم أن هذه "المواصفة القياسية" لا تنطبق على كل الألبسة "الشرعية" الموجودة في البلد،
في الماضي ، كانت أمهاتنا يرتدين الثوب التقليدي ، سواء كن في القرية أو البادية ، ولم يزل هذا الثوب موجودا ، وإن بصورة أقل ، هذا الثوب المنتشر في بلاد الشام تحديدا ، ملتزم بهذه المواصفة ، فهو لا يشف ولا يصف الى حد كبير ، أما نساء المدينة فلم يكن يعرن اهتماما "حرفيا" لهذه المواصفة ، فقد كن يرتدين لباسا أسود يصل الى ما تحت الركبة بقليل ، ويغطين وجوههن بقطعة قماش سوداء شفافة ، فيما جزء من سيقانهن كان مكشوفا أو موصوفا،
بعد حالة الصحوة أو "فورة التدين" التي جاءت بها ثورة الامام الخميني في نهاية السبعينيات ، وربما قبلها بقليل ، ابتدع أخوتنا في سوريا ، حسبما أعرف ، لباسا اسلاميا جديدا هو "الجلباب" وهو أشبه ما يكون بالمعطف الطويل الذي يرتديه علماء الدين الاسلامي في بلاد الشام ، وقد شاع هذا اللباس على نطاق واسع جدا ، وتفنن الأتراك تحديدا في تحديثه وابتداع أنماط كثيرة منه ، حتى أن بعض الجلابيب الفاخرة تباع بعدة مئات من الدنانير ، وعلى هامش هذا الجلباب ، نشأ جلباب فريد ترتديه بعض النساء من أتباع بعض الحركات ، وهو قصير يصل الى ما دون الركبة بقليل ، فيما ترتدي النساء الملتزمات به جوارب سميكة تخفي ما يظهر من الساقين ، أما "الزي الشرعي ،"المحدث الذي استهوى فتياتنا ، ولا يُعرف من ابتدعه ، فهو يتكون من إشارب وقميص أو بلوزة طويلة قليلا وبنطال ، مع غطاء للرأس،.
وثمة زي آخر مشابه ، وان كان أكثر قربا من "المواصفة الاسلامية" ويتكون من جاكيت طويل يغطي ثلثي الجسد ، مع بنطال فضفاض واشارب ، وبين هذا الزي وذاك تشتعل الخلافات في بيوتنا ، فيما يبقى جزء كبير وهام من نسائنا وبناتنا يلاحقن "الموضة" الغربية ولا يعبأن بهذه المواصفة أو تلك،
ملف الزي الشرعي جزء من الملف الاجتماعي الذي يشغل بال أسرنا ، وغياب الحركة الاسلامية والدعاة والمرجعيات الاسلامية عنه ، يفسح المجال لاجتهادات خاطئة ، خاصة وأن هناك تغيرا مناخيا في بلادنا ، يستدعي تدخلا ما لابتداع أزياء شرعية ملتزمة ومريحة للمرأة ، لا سيما العاملة التي تضطر للتنقل في حر الصيف اللاهب،.
طالبنا منذ زمن بإنشاء مؤسسة تجارية إبداعية تعنى بأزياء النساء الملتزمات ، بدلا من تركهن نهبا لتجار "القيم" الاسلامية الذين يمارسون ألوانا من المهن نشأت على هامش التدين النشط في الأردن وغيره من بلاد الإسلام ، وما زلنا ننتظر،.
hilmias@gmail.com
الدستور.