بعيداً عن التراشق بالاتهامات، وبمنأىً عن الأسف والحزن المُصنَّع دوماً للخروج من الأزمات والحوادث ، ولأننا أمام تحديات جسام أودت بضحايا بشرية وممتلكات أدمت قلوبنا جميعاً ، وصرنا نتوجس خيفةً من القادمات العاتيات ؛ فلا بدّ من وقفةٍ للمراجعة والتقييم تُوضع فيها النقاط على الحروف بدقةٍ وموضوعية لإن مخزوننا من الصبر على الأخطاء المتراكمة قد نفذ ولم يعد يحتمل المزيد ، وليس من المقبول أن نستمر في الحالة البائسة التي مفادها " أُنجُ سعد فقد هلك سُعيد " .
الكوارث التي أصابتنا وألمّت بنا كشفت عن حجم هائل من سوء التخطيط الذي لم يأخذ بالحسبان الطوارئ والمتغيرات التي تخرج عن حسبان غير المختصين ولكنها لا ينبغي أن تغيب عن حسابات من يضطلع بمهمة التخطيط والإعداد والإستعداد .
وكشفت عن قصور التصاميم المعدة لتنفيذ المشاريع وعقم في تحديد الخيارات الفنية الآمنة وعدم توفر عامل الأمان اللازم في التصميم لكثير من المشاريع والمبني على نظريات في التصميم الإنشائي وليس اعتباطا أو تقديراً عشوائياً.
وإن ذهبنا إلى احتمالية سلامة التصاميم فبالتأكيد سنخلص إلى حتمية القصور في المتابعة والإشراف التي أفضت إلى أعمال تم تنفيذها وهي مخالفة للمواصفات والمعايير والمقاييس المطلوبة والتي نرى كثيراً منها لم تصمد للإشغال أو الإستعمال .
ومن أبرز ما نرى الشوارع والطرق التي أصبحت تغرق لمجرد أن تتساقط كميات من الأمطار وأبسط ما يجب أن يكون في هذه الشوارع والطرق هو الميول العرضية والطولية في جسم الطريق وتوفر مصارف للمياه الجانبية ، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه فوق هذه الطرق ومن ثم يؤدي إلى إنهيار جسم الطريق ، فضلاً عن عدم تصميم العبارات والجسور بالسعة الكافية لتصريف المياه بناءً على حسابات هيدرولوجية دقيقة .
وما ينبغي الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن كثيراً من مجاري المياه الطبيعية في المدن وخاصةً عمان تم إغلاقها بالمنشآت والعمران مما ضاعف من كميات المياه المتدفقة عبر الشوارع وتداهم المباني وأدت إلى ما رأينا من الكثير من الحوادث في السنوات الأخيرة .
والحقيقة التي ندركها جميعاً أن البحث في مثل هذا الموضوع لتحديد أسباب المشكلة واقتراح الحلول لن يأتي عبر مقال أو خاطرة ولكنه بحاجة إلى مراجعة شاملة ومن مختصين وتتم المتابعة من جادين ومخلصين يدركون بعمق حجم التحديات ويعملون لتجاوزها بأمان.