لا افشي سرا إذا جاهرت بالقول أنني انتظر مقالة الدكتور محمد المناصير " صفحة من تاريخ الأردن" بفارغ الصبر، وما من يوم أقرأ فيها تلك الصفحة، إلا ويقشعر لها بدني وتنتفض معها جوارحي، ممنيا نفسي لو كنت جنديا في ذلك الجيش العربي المغوار الذي انتفض في وجه العدو الغاصب، في معركة فرضت عليه رغما عن إرادته ولم يكن مستعدا لها، في ظل تفوق العدو عددا وعدة، ورغم الشح في الإمكانات المتواضعة التي كانت بين يديه ذلك الوقت.
لكنه الجيش الأردني الأبي، وهو في الحقيقة وواقع الحال كان وما زال وسيبقى يمتلك معنويات عالية متمثلة برجاله الأردنيين الأشاوس الذين ضحوا بأرواحهم فداء للوطن وسطروا ملاحم من البطولة والفداء يعجز عنها المارينز الأمريكي المدجج بكل عناصر القوة والمنعة المسخرة بين يديه.
وإنني كلما قرأت كلمة أو سطرا من تلك الصفحات يقفز إلى مخيلتي مشهد ذلك الجندي العربي المغوار بلباسه الحربي، وقد تسلح بكل أسباب الموت دفاعا عن الأرض والعرض، وأتخيله رابضا على ربوة من ربى الأردن يحمل على كتفه بندقية محشوة بالذخيرة الحية ملؤها الحب الصادق لتراب الأردن الطهور، متربصا بعدو حاقد عله يطل برأسه من خندق قد تخندق به أو مجنزرة ربط نفسه بها خوف الهرب جبنا من ساحة الوغى، وهو يعلم- العدو- علم اليقين أن الغلبة في النهاية هي للجندي الأردني الذي ما أعلن ولا فكر في الاستسلام يوما مفضلا المنية على الدنية.
يا لها من بطولات سطرها أبناء الجيش العربي الباسل، كم نحن أحوج إليها اليوم في ظل المتلاطمات التي نعيش والأزمات التي نكابد، وكم أتمنى من أخي – د. المناصير- مواصلة كتاباته تلك، لتعرف أجيال اليوم مقدار التضحيات التي قدمها الجيش الباسل والمعاناة التي تحملها الآباء والأجداد ليبنوا لنا وطنا ننعم ويتنعمون به، علهم يقفوا على بعض مما قدمه الجنود الأوفياء الذين ضحوا بكل غال ونفيس مقارنين ذلك بما يفعله ساسة اليوم، الذين وجه العديد منهم بنادقهم إلى خاصرته، تارة باسم الديمقراطية وأخرى باسم الخصخصة وثالثة بذريعة الحرية ....الخ.
ويقينا أن لا وجه للمقارنة بين الأمس واليوم، وان مجرد التفكير في المقارنة هو ضرب من الجنون أو يكاد، وفيه من الظلم الفادح ما فيه، فرجالات الأمس كتبوا وسطروا صفحات بيضاء في تاريخ الأردن المجيد فعلا وطنيا خالصا فداء لأمة عربية ماجدة، ليأتي بعض تجار السياسة والأوطان اليوم ويوجهوا صفعة لا بل صفعات لتاريخ الأردن المضيء وعلى وجه المواطن الكادح- الذي تقرا في تفاصيله خارطة الوطن الأغلى- من خلال تسابقهم للسطو والاستحواذ على كل ما بناه الآباء والأجداد وعلى كل ما قدر لأيديهم أن تصل إليه وبشتى الطرق والوسائل وتحت كل الذرائع والأسباب.
هي صفحات بيضاء ستبقى خالدة في تاريخ الأردن الناصع بياضا، كتبت بالدم الأردني سطرتها أياد بيضاء طاهرة، وشتان ما بين اليد التي حملت السلاح ودخلت في حرب غير متكافئة لتسطر ملاحم المجد والكبرياء- سيبقى يذكرها العدو الذي وقف مصدوما أمام بسالة الجندي الأردني- وما بين بعض الأيادي الملطخة بالخزي والعار، والتي ما برعت إلا في تزوير التاريخ وتقديم كل التنازلات، من تنازل عن الوطن إلى تنازل عن المواطن، ليبقى مسلسل الصفع مستمرا وبأشكال متعددة مع تعدد الصافعين، وليبقى المصفوع واحدا في كل الأحوال ألا وهو هذا الوطن الذي سيبقى شامخا في وجه الأعداء، وهذا المواطن الذي سيبقى رافعا رأسه مستعدا لتلقي المزيد على وجهه صابرا ومحتسبا أجره على الله لكنه لن يساوم على وطنه وعلى وقدره.
kalilabosaleem@yahoo.com