باستثناء الأماكن الدينية وبعض الآثار والمعالم التاريخية لا يوجد لدينا اهتمام بقصص الأمكنة وتاريخها. فقد تجد صعوبة بالغة في التعرف على أصل الاسم لبلدة او قرية اردنية وصعوبة أكبر في معرفة تاريخ السكان وعلاقاتهم بالمكان وإنجازاتهم واسماء الأشخاص الذين قادوا الحياة الاجتماعية وساعدوا الناس على تجاوز الأزمات والمشكلات والاخطار أو قدموا خدمات جليلة لأهاليهم ومعاصريهم.
الرحلات والزيارات التي نقوم بها للمواقع والأماكن تحمل ضمنيا اسئلة متعددة حول المكان وطبيعة السكان وعاداتهم وأوضاعهم ومعاناتهم وانجازاتهم ومدى قربهم او اختلافهم عن غيرهم من الجماعات. من الصعب ان تجد مكانا بلا ذاكرة لكن بعضها له ذاكرة حية ومحفوظة والاخر طمست ذاكرته أو فقدها. في ذاكرة المكان قصص وأحداث ومعان وبطولات وتضحيات وفيها حكايات وأفراح وأحزان ونكبات غير أنها وبمجملها تسهم في تشكل هوية المكان وثقافة اهله ومن قد ينضمون لهم.
العمل على احياء ذاكرة المكان بما فيها من تفصيلات وحكايات وشخوص تمرين مهم وضروري لانشاء رباط قوي بين الإنسان والوطن وتعميق الحس بالانتماء. الأوائل الذين اقاموا على أرض المكان وأقاموا العلاقة معه ورسموا ملامحه وتركوا بصماتهم على طبيعته اشخاص ينبغي التعرف على سيرهم وطبيعتهم باعتبارهم الرواد والمؤسسين. التراث والتاريخ الاجتماعي والثقافي مهم مثلما التاريخ السياسي والديني للمكان والجماعة. ومن غير الممكن ان تتحق المواطنة والانتماء دون فهم عميق للموطن وقصة بنائه وتشكل العلاقة معه. في معظم بقاع العالم تجد في البلديات والمكتبات ولدى الادلاء السياحيين قصة متكاملة عن المكان الذي تذهب لزيارته فتعرف من اين اتى الاسم والمجموعات التي سكنت المكان وانجازاتها وعرضا لاسماء الأشخاص الذين تركوا اثرا يتجاوز في اهميته الزمان وربما المكان.
الحضارة إنجاز إنساني غالبا ما يتحقق عند شعور الإنسان بمستوى معقول من الأمن والاستقرار يمكنه من التفكير في الاستجابة لتحديات الطبيعة والظروف التي يواجهها. وتزدهر الحضارة في مجتمع له نظام اقتصادي سياسي ومنظومة اخلاقية اضافة الى بيئة صالحة لتطور الفن والتكنولوجيا والابتكار.
في الثقافات الغربية يشغل الافراد ادوارا تتناسب وامكاناتهم ويكتسبون المكانات التي تتناسب مع انجازاتهم والمواقع التي اشغلوها والآثار والبصمات التي تركوها بعد أن غادروا مواقعهم. وفي أي مسابقة ومناسبة يجري الاعتراف بجهود وأعمال وإنجازات أصحابها باعتبارها اسهامات اساسية وعوامل يصعب تجاهل قيمتها في احداث التغيير والوصول إلى الوضع الراهن.
في هذه الثقافات التي تعظم الإنسان وتعترف بعبقريته وانجازه تجد المباني والمكتبات والمتاحف والساحات والجوائز تحمل اسماء الاشخاص الذين اعطوا وانجزوا فالمكتبات تحمل اسماء الرؤساء السابقين والشوارع تحمل اسماء المدن والرجالات والنساء الذين اخترعوا واكتشفوا وعلموا وقادوا مجتمعاتهم وامتهم فهم يخلدون انجازاتهم واسهاماتهم بترسيخ اسماء من كانوا وراء العمل والانجاز.
في العاصمة الأميركية التي تحمل اسم الرئيس الأول للبلاد واحد اهم الشخصيات التي صاغت دستور البلاد تجد تاريخ الولايات المتحدة الأميركية وجغرافيتها ماثلا امامك وانت تتجول في المدينة حيث تحمل الجامعات والشوارع والساحات اسماء واشنطن وابراهام لنكولن وبنسلفانيا وجبران خليل جبران وكل ما يربط الماضي بالحاضر ويوصل القريب بالبعيد.
في بلادنا التي ولدت على ارضها الحضارات وظهرت الديانات ونشبت الحروب وعاش الشعراء واقيمت المدن وبنيت القلاع ورويت القصص وشيدت المباني والمدرجات والقصور واقام الانبياء والرسل واهل الفكر والحكمة والتميز في العلم والادب والريادة لا يوجد قصة متكاملة للمكان ونتعامل مع موجوداته كاجزاء منفصلة نهمل بعضها ونتعاطى مع البعض الاخر على انه موضوع منفصل لا علاقة له بما حوله او ما سبقه ويليه من الاحداث والمواقع والإنجازات.
قصة المكان ينبغي ان تتحول الى مشروع وطني تتبناه المدارس والجامعات والبلديات والمنتديات الثقافية من اجل الوصول الى تاريخ لصيق بحياتنا لا قصص تبتعد عنا مئات بل آلاف السنين. (الغد)