facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




منْ فجَع هذه بوليدِها


أ.د. خليل الرفوع
08-11-2018 07:38 PM

أذكر نص الحديث النبوي فقد روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : (( كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حُمَّرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمَّرَةُ فجعلت تفرِش ، فجاء النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( من فجَعَ هذه بولدها ؟ رُدُّوا ولدها إليها، ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: من حرَّق هذه؟ قلا:ن نحن، قال: إنَّه لا ينبغي أن يعذِّب بالنَّار إلَّا ربُّ النَّار)) ، سنن أبي داود.
والحمرة : القُبَّرَةُ ، وهي من ضعاف العصافير ،هذا الحديث يبين لنا عظمة إنسانية الإسلام وأنه ليس طقوسا وعبادات بين العبد وربه وحسب بل هو سلوك حضاري تعبُّدي راقٍ ، لقد سمى الرسول عليه السلام أخذ الفرخين وليس قتلهما (فجيعة) منكرةً ، ونهى كما في الحديث عن تحريق النمل ولو كان في بقائه أذى للإنسان ، وللقارئ أن يعلم أن الإسلام لم ينه عن فعل إلا لجلب مصلحة أو لدرء مفسدة ليس فقط للمسلم بل لجميع من يعيش في المجتمع ، لأن المجتمع هو وحدة بشرية كالجسم الإنساني روحا وجسدا وأي أذى يصيب عضوا فيه يصيبه كله ، تذكرت هذا الحديث في ضوء صورة الأمهات اللواتي فُجِعْنَ بأبنائهنَّ من الذين قضوا من أجهزتنا الأمنية ، فالمجتمع كله ينظر إلى أبنائهن بأنهم أبطال وطنٍ وشهداء أمة أحياء عند ربهم يرزقون ، لكن أمهاتهم بالإضافة إلى ذلك ينظرْن إليهم أنهم لا يزالون أبناء صغارا يهدْهِدْنهم في حجورهنَّ على الرغم من كبرهم ورجولتهم وفروسيتهم وإقدامهم .
إن ترويع الآمنين من الناس في مجتمعنا الآمن لهو كبيرة من الكبائر، وإذا كان ترويع المسلم حراما فإن ترويع المجتمع أشد حرمةً ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه)) . رواه مسلم . فالإشارة بحديدة توجب اللعن والطرد من رحمة الله فكيف بمن يرفع سلاحه ليقتل الناس جميعا قاصدا القتلَ وسفكَ الدم ، إن ترويع أي إنسان في المجتمع هو ترويع للوطن كله والأمة كلها ، وصدَقَ الرسول عليه السلام في قوله : (لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) . رواه البخاري .
منْ فجع هذه بوليدها سؤال يوجز رسالة الإسلام بأنها الرحمة والألفة وليس الترويع والقتل ، ثم إن منْ يقدم على رفع السلاح وقتل الآمنين ليس من الرجولة والفروسية في شيء ؛ فساحات الفروسية والشهادة ليس بقنص العُزَّل ، إنها إلقاء القتلة بأنفسهم في التهلكة والنار والخزي ولعنة الله والملائكة والناس أجمعين .لم يُرْسَلِ الرسولُ عليه السلام قاتلا ومروِّعا ومنفِّرا بل بُعث هاديا مؤلفا القلوب ومبشرا بالخير وللخير ، الحِرَابةُ الإرهابة لا تزيد الناس إلا كرها لموقديها ولا تزيد الأمة إلا بغضا لأهل الفتن والبدع والخارجين على القيم الإنسانية والشريعة والقانون والحياة .
من فجع هذه بوليدها سؤال وجودي يعيد الإنسان إلى إنسانيته الأولى ، والسؤال نفسه يعيدنا إلى أنفسنا كي لا نمارس القتل المادي أو المعنوي بحق أخينا الإنسان إذا لم يحتل الأرض أو المقدسات ، لأننا بفعلنا ذلك نقتل الإنسانية في أنفسنا ، والفتنة أكبر من القتل وكأننا قتلنا الناس جميعا ولم يحدد القرآن أي أناس هم أؤلئك .
مَنْ فجع هذه بوليدها ، حكمة محـمدية ينبغي أن نتعلمها واقعا سلوكيا منذ الطفولة المبكرة كي لا يتلقف أطفالَنا أؤلئك المشعوذون الحِرابيون الذين يأخذون من الكتاب بعض آياته ويتبِّعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويلَـه إلا اللهُ ، وينسون الآيات المحكمات ، ثم ينصرفون وقد طُبِعَ على قلوبهم كل ألوان الدماء والفتن فهم لا يفقهون ، ولو كانوا رجالا ما فكروا باقتناء الأسلحة والمتفجرات يخفونها في بيوت مَنْ أمنوهم وأدخلوهم في حرمة أعراضهم ومساكنهم وأولادهم ، هم أولئك الخارجون عن مفهوم من فجع هذه بوليدها : من يقتل الناس الذين يحتفلون في أعراسهم ، ويفجرون أنفسهم في رجال الأمن الشرفاء وقد علموا أن الأردنيين جميعا هم الجيش وأجهزته الأمنية في ساعة اليسر والعسر والمنشط والمكره ، قلعة الكرك لم تكن إلا رمزا لطرد الغزاة الصليبين وما كانت إلا كذلك مقبرة لهم ولكل غادرأفَّاك أثيم ، لم تكن المراكز الأمنية الآمنة إلا بيوتا للأردنيين ومن يدخلها فإنه آمنٌ قلبُه ، ولم تكن الكلمة على لسان مفكر مدعاةً لسفك دمه على الطرقات بغير حق .
مَنْ فجع الأمهات الأردنيات بأولادهنَّ وهم خير فرسان الأمة ورجالها فلقد فجع الطفولة والرجولة والشهادة والأمانة في قلبها ، لم يفجع الأمهات وحدهن بل فجع أطفال الجنود البررةِ وأزواجهم وأهليهم وجيرانهم والناس جميعا ، وكل دمعة أريقتْ ستلعنهم , وكل حُرقة أسيلت في القلب ستطاردهم حتى تكبَّهم في نار جهنم كَبًّا ، وأما شهداؤنا فهم أحياء عند ربنا يرزقون في جنات النعيم أؤلئك عليهم صلوات من ربهم وفي رحمة الله هم خالدون . دموع الأمهات قطرات ندى تروِّي أرضنا الطاهرةَ لتُنبت الزيت والزيتون ليكون عطرا على وجوههن وآياتٍ تتلى في جوف الزمان ، دموعهن حكايتنا الأولى وكلماتٌ تُخط على جباه جنودنا وسفوح جبالنا وتلالنا ، هذه الأرض زنابق ورد لعشاقها وسم ناقع لأعدائها ، الأردن عصي على الخونة وطرَّاق العتمةِ وسارقي الفرح ، وسيبقى رايةً في أيدي الكرام البررة الذين خاضوا بحارَ المنايا ولم يعودوا إلا بها مرفوعة منذ صيحة جعفر وصحبه الكرام حتى صيحتِهم صقورًا في زماننا لعدوهم وعدونا.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :