الواسطة كلمة متداولة في مجتمعنا دون ان يكون هناك وعي بمخاطرها وقد تكون محببة من قبل بعض ممارسيها بالقدر الذي يخدم به مصالحهم الخاصة متجاوزين انتهاك حقوق الآخرين وقد تصبح مرفوضة اذا مست حق هؤلاء الذين استفادوا منها في مواقف مشابهة ومن هنا تبدأ المفارقة التي توجب على الجميع محاربة هذه الآفة الخطيرة، فاستخدام الواسطة قد يعطيك ما ليس لك وتبقى معتديا عليه مُطالباً به وفي الجانب الآخر قد يسلب منك ما هو لك وتكون في هذه الحالة ضحية سُلب حقها هذا هو الواقع المؤلم لاستخدام الواسطة وهذا الاستخدام سيبقى مؤرقًا ما لم تتم محاربته ونبذه بشكل جدي وعلى كافة المستويات الرسمية والشعبية .
وفي لفتة ملكية سامية لمحاربة هذا الواقع المؤلم وجه صاحب الجلالة بضرورة وضع حد لهذه الآفة لما تشكله من أثر سلبي فيه اعتداء على حقوق المواطنين وتعدي على سيادة القانون وتجاوز للعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وكان ذلك من خلال الأوراق النقاشية لجلالته، ومناسبات عديدة أكد فيها جلالته على ايجاد السبل اللازمة للفتك بهذه الآفة ، كما ان المشرع تنبه لذلك الأمر وأدرج ضمن قانون النزاهة ومكافحة الفساد رقم 13 لسنة 2016 نصاً جرم فيه الواسطة والمحسوبية وكذلك وضمن الخطة الاستراتيجية الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد (2017-2025) تم التنبه لهذا الفعل الخطير اذ تم افراد أربعة مشاريع حاصرت اهم أسباب اللجوء الى هذه الآفة الخطيرة وما قد تسببه من أضرار على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والادراية وحتى السياسية، من خلال تولية الأمر لغير أهلله فمعنى طلبك للواسطة انك لو سلكت الطريق السليم لما حصلت على ماتصبوا اليه من خلال كفاءتك وقدرتك.
وهنا أود أان أشير الى ان هناك ما يسمى بالواسطة المذمومة والواسطة المحمودة وتعرف المذمومة بانها الواسطة التي تحق باطلاً او تبطل حقاً ، اما المحمودة فهي التي تحق حقاً وتبطل باطلاً وأرى هنا انه بالقضاء على الأولى يتم الإستغناء عن الثانية وهذا هو الأصل والهدف المنشود من محاربة الواسطة.
وعلى ما تقدم فلا يمكن الحديث عن مكافحة الواسطة والتغلب عليها الا بارساء وتشييد دولة القانون بحيث يتم تطبيق القانون على الجميع بشكل عام ومجرد، وكذلك في بناء مؤسسات حكومية قائمة على الحكم الرشيد الذي ينظم عمل الادارات بفاعلية وكفاءة لتحقيق مصالحها بعيداً عن المنفعة الشخصية وبما يحقق مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والشفافية في اتخاذ القرارت وعلنيتها وتمكين الافراد من الاطلاع عليها بسهولة وتطبيق مبدأ المساءلة والمحاسبة على اي تجاوز للتشريعات من قبل المسؤولين بحيث يكون لديهم المقدرة على تقديم التوضيحات اللازمة حول كيفية استخدام الصلاحيات وتصريف الواجبات.