هُنَاكَ شعور سائد بَيْنَ مواطني الوطن العربي أن هُنَاكَ عملية خلط مقصودة للأوراق فِي المَنْطِقَة العَرَبية من قبل القوى العَالَمِيَّة وغيرها هدفها إشاعة الفوضى فِي المناطق الهادئة، واستدامة المناطق الساخنة، وعدم تبريدها، بهدف عدم إخراج المَنْطِقَة من دوامة العُنْف، والقتل، والتخلف.
وهَذَا الشعور لَمْ يأتِ عَبثًا، بَلْ بناء عَلَى معطيات مُؤلِمَة مَوْجودَة فِي الوَاقِع، فيكفي أن تنظر إلى خريطة العُنْف والدم فِي العالم لتجد أن معظمها يَقَع فِي حدود الوطن العربي، وَعِنْدَمَا تتبع بَعْض الدُّوَل العَرَبية، وتقرأ عَن إمكانياتها الضخمة، وثرواتها الهائلة، وتقارن بينها وَبَيْنَ غيرها فِي التنمية الحقيقية عَلَى الأرض تصدم هَذِهِ الدُّوَل تأتي دائمًا فِي ذيل قوائم التنمية البشرية والإنجازات، وَعِنْدَمَا تقارنها بدول أخْرَى من خارج المَنْطِقَة لا تمتلك أي ثروات طَبِيعِيَّة، وبعضها ليْسَ لَدَيْهِ أرض كافية حتى لإنشاء مطار عَلَى سبيل المثال، وَمَع ذلِكَ تحقق مستويات دخل مُرْتَفِعَة، وانسجام اجتماعي وسياسي عالٍ، وَسَعادَة ورفاهية لا توصف لشعوبها.
وَفِي مَجَال التدخلات الخارجية، فأكثر منطقة يتم التدخل بشؤونها الداخلية والخارجية هِيَ الدُّوَل العَرَبية، وَهِيَ "الحيطة المايلة" الَّتِي يتم استصدار قرارات من مجلس الأمن ضِدَّهَا وتنفذ فورًا، بَينَما لَوْ قارناها بدول أخْرَى سنجد أن لَهَا هيبة، وقوة، وأدوات ضغط تخيف الآخرين من الاقتراب مِنْهَا، إضافة إلى تقارير الهيئات الدَّوَلِيَّة الَّتِي لا تَكُون فِي بَعْض الأحيان عادلة، أوْ تتم بناء عَلَى معايير قَدْ لا تتوقف مَع الثقافة السائدة فِي المَنْطِقَة، وَنَحْنُ لسنا ضد أن تَكُون التقارير مُحايدة بَعِيدَة عَن الثقافة السائدة لأنَّ البعض يستغل هَذِهِ النُّقْطَة لاختراق قواعد حُقُوق الإنسان، وَلَكِن ترى هَلْ يتم تَطْبِيق ذلِكَ عَلَى دول العالم كله؟
وإذا دخلنا إلى قلب مُعْظَم الدُّوَل العَرَبية فالحال لَنْ يَكُون أفضل. فمعدلات الفساد عالية جدًا، والبطالة شبح يطل بهيئته البشعة عَلَى الجَمِيع، فحتى الدُّوَل النفطية الغنية لا تسلم مِنْهُ، والبنية التحتية متهالكة، وَمُعْظَم الجامِعات لا تحقق إنجازات عِلْمِية، وَحَتْى أن خريجيها يكونون فِي العَادَةِ عالة عَلَى العلم، وَعَلَى بلادهم، وَيَكْفِي أن تجلس مَع أي مِنْهُم وتناقشه فِي التخصص الَّذِي تخرج مِنْهُ، فتكتشف أنك – فِي بَعْض الأحيان- تفهم فِيهِ أكثر مِنْهُ، وأنه لَمْ يجنِ من دراسته الجامعية سوى كرتونة يزين بِهَا جدار صالون بيته، ويفتخر بِهَا ليقدمها لعروسه حِينما يَذْهَب لخطبتها.
وإذا سألت رجل الشَّارِع العادي عَن رأيه فِي الأوضاع، فإن الإجابات تكاد تَكُون واحدة: نتمنى ألا يَكُون الغد أسوأ من اليَوْم، فلم يعد حلم العربي اليَوْم أن يتحسن بَلْ ألا يسوء وضعه فِي غالب الأحوال.
وَمَع ذلِكَ فَلا بد من أمل أن تتحسن الظروف، وأن يُوضَع القطار عَلَى سكته، أوْ يتم فِي البِدايَة بناء بيئة خصبة للتطور قائم عَلَى المواطنة الحقيقية، وَتُسَاوِي الفرص بَيْنَ الجَمِيع، وسيادة مفهوم الكفاءة فِي الاختيار للمناصب، وأن تعمق مَبَادِئ احْتِرَام حُقُوق الإنسان، واستقلالية القضاء، وتقوية العَمَل الحزبي القائم عَلَى أسس سليمة، ووقتها ستبدأ الأمور بالتحسن، وَحِينَهَا لَنْ تَسْتَطِيع أي قوى عَالَمِيَّة أن تخلط أوراق منطقتنا، أن تحركنا مِثْلَمَا تعبث أنامل لاعب الشطرنج بأحجاره.
Mrajaby1971@gmail.com