عن أية ديمقراطية تتحدثون؟
رومان حداد
05-11-2018 12:08 AM
هل أنا ديمقراطي أو أؤيد الديمقراطية، سؤال طرحه علي صديق أثناء حوارنا حول الأوضاع في الأردن، وحول النخبة السياسية الأردنية ودورها.
الحديث أخذ منعرجات عدة، فصديقي مدافع شرس عن الديمقراطية وعن التجربة الغربية ككل، فهو يراها أفضل وأرقى ما وصل إليه الإنسان المعاصر، وأن على الدول التي تريد أن تسير في ركب الدول المتقدمة أن تتبنى الديمقراطية بكامل تفاصيلها.
للحقيقة فإني غير مبهور بالديمقراطية، رغم ما يروج لها عرابوها، وأعتقد أن البشرية اليوم تحتاج إلى أنظمة جديدة تتوافق مع التغييرات الكبرى التي حصلت في مناحي الحياة المختلفة، وما يزيد يقيني بذلك كل يوم هو ما تراه من ضعف لدى من يحامون عن الديمقراطية، وتراهم في كل مأزق يظهر عطب الديمقراطية يرمون الأخطاء على الأفراد والتطبيق وليس النظرية أبداً.
الديمقراطية كما تظهر كنظرية هي النظام الذي يضع السلطة في أيدي المواطنين من أجل ضمان الحكم الذي هو لصالح الشعب، وفيه تُمنح للمواطنين الفرصة لاختيار من يحكمهم، وهذا يوفر للناس الحرية والمساواة على حد سواء.
وهناك من يصر على ادعائه أن النظام الديمقراطي يتيح محاسبة المسؤول المقصر، وهو ما يعني الحوكمة والمحاسبة، وهما عنصران ضروريان لبناء الدولة الحديثة.
في الحقيقة حين أعود للتاريخ وأقلب صفحاته لا أرى أياً مما يتم ذكره نظرياً يتم تطبيقه على أرض الواقع، فالدول الديمقراطية هي الدول الأكثر خوضاً للحروب وقتل الأبرياء وتهديم المدن والقرى، وحتى لا يُقال أني أكيل التهم مجاناً سآخذكم في رحلة عبر تاريخ الحروب.
فمثلاً اعتبر أدولف هتلر مجرم حرب وعدو الإنسانية بسبب ادعاء اليهود أنه تم حرقهم، ووضعوا أعداداً مبالغاً بها لمن تم حرقهم في الهولوكوست، وتمت محاكمة الضباط النازيين الأحياء في محكمة نورنبيرغ كمجرمي حرب، وعلى الجانب الآخر اعتبر الرئيس فرانكين روزفلت بطلاً عالمياً وحامي العالم الحر والديمقراطي، وبالتأكيد ليس مجرم حرب، رغم أنه أمر بضرب هيروشيما ونغازاكي بقنبلتين نوويتين راح ضحيتها مئات الآلاف من المدنيين الأطفال والنساء والشيوخ، ولم تتم محاسبته على ذلك.
وذات الديمقراطية الأميركية خاضت حرب الكوريتين وحرب فيتنام، حيث استعملت في الأخيرة عدداً من الأسلحة المحرمة دولياً، كقنابل النابالم والأسلحة الكيماوية، ومع ذلك لم تتم محاسبة الرؤساء الأميركيين الذين توالوا على حرب فيتنام، ولا تمت محاسبة الضباط في الجيش الأميركي.
أما حرب الولايات المتحدة ضد العراق عام 2003 المبنية على كذبة امتلاك العراق لأسلحة نووية، والتي تكشفت بعد احتلال العراق وتدميره، لم يُسأل عنها الرئيس جورج بوش الابن، رغم هدره لمليارات الدولارات، ورغم كذبه العلني على الأميركيين وعلى الدول المختلفة حين استخدم وزير خارجيته كولن باول لتقديم مداخلة كاذبة عن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل أمام مجلس الأمن في منظمة الأمم المتحدة.
وهو ما ينطبق على بريطانيا، وهي واحدة من أعتى الديمقراطيات في العالم، حيث خاض حرب الفوكلاند ضد الأرجنتين، والحرب ضد العراق عام 2003، دون أن تتم محاسبة كل من نارغريت تاتشر وتوني بلير، رئيسا الوزراء في الحربين السابقتين.
دون أن ننسى أن هذه الديمقراطية العظمى كانت تحتل دولاً عديدة حتى أطلق عليها الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وكانت تنكل بسكان مستعمراتها كما حدث في الهند وغيرها.
أما فرنسا، التي تعتمد الحرية والمساواة شعاراً لها، فلنا أن نتذكر استعمارها لدول إفريقيا، وكيفية التعامل الوحشي مع سكان المستعمرات، حتى نهايات ستينات القرن الماضي، سواء في الجزائر والمغرب وتونس، أو في دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وكل ذلك من دون أن يتعرض أي من رؤسائها أو ضباط جيشها لمساءلة قانونية أو سياسية.
الأمثلة كثيرة ولا تحصى، وهو ما يجعلني أسأل مرة أخرى هل فعلاً أن هذا النظام الديمقراطي البشع واللاإنساني هو أفضل ما توصلت له البشرية، أم أنه يمكن أن نطور نظاماً أكثر عدلاً وقادراً فعلاً على المساءلة والمحاسبة؟
للحديث بقية..
الرأي