الاشاعة أكذوبة تنشد التصديق!
سليمان الطعاني
04-11-2018 03:43 PM
سواء كنا سُذّجاً أم مشككين، أميين أم علماء، أطفالاً أم كباراً، فإننا جميعاً نتورَّط بالإشاعات، لما لديها من قدرة على الانزلاق من بين دفاعاتنا العقلية قبل الاستفسار عنها، إننا جميعاً نعشق نقل الكلام ونشتهي الثرثرة في اجتماعاتنا وحفلاتنا ونوادينا ولقاءاتنا وحتى في مجالس عزاءاتنا يتحول المكان الى أشبه ما يكون بسيرك كبير مخصص للثرثرة في مختلف المواضيع، يا لفرحتنا وتمتعنا بمجالس النميمة ونقل الأحاديث والاشاعات التي تتطاير فوق رؤوسنا كالغبار.
الإشاعة تنطوي على الترويج لخبر مختلق لا أساس له في الواقع، أو المبالغة أو التهويل أو التشويه في سرد خبر فيه جانب ضئيل من الحقيقة، أو إضافة معلومة كاذبة أو مشوهة لخبر صحيح، أو تفسير خبر صحيح والتعليق عليه بأسلوب مغاير.
وكأي ظاهرة اجتماعية، فإن مفهوم الإشاعة تطور مع الزمن بتطور المجتمع وثقافته وحضارته، ففي السابق كانت الاشاعات تنتشر على نطاق محدود في المجالس والدواوين وتأخذ فترة طويلة حتى تنتقل شفاهية عبر الاتصال المباشر، من فم الى أذن الى أذن أخرى .... حتى أصبحت الآن الإشاعة مكتوبة، وليست فقط منطوقة، وفي العصر الرقمي الحالي، خاصة مع تطور أجهزة الاتصال المتنوعة، أتيح للإشاعة أن تدور حول الكرة الأرضية بسرعة تقارب سرعة الضوء، قبل أن تلتقط الحقيقة أنفاسها ولم تعد فقط مكتوبة بل سينمائية بالصورة والصوت، وبدأت تأخذ أبعاداً عالمية متخطية البُعد المحلي.
شائعات وأخبار تظهر وتختفي فجأة وتثير الخوف والبلبلة، أو قد تكون مجرد مادة للتسلية والفضائح، لكننا نساهم في انتشارها بفضول غريب ولذة أكثر غرابة، سواء بقصد أو دونه، دوافع نفسية كثيرة تقف خلف رغبتنا في ترويج الشائعة أو التأثر بها دون التأكد من صحتها، ودون أن نعلم أيضا أن الشائعة قد تصبح أداة سياسية وأداة للحروب.
الاشاعة ربما لا تكون خبراً مختلقاً، وانما قد يتم توجيهها الى طرف معين للتبخيس من اصلاحاته وانجازاته ومبادراته والنيل منه بهدف التأثير على خططه وبرامجه وتشويه سمعته ... ومردّ الاشاعة هنا قد يكون وجود لوبيات تختلق الاشاعات بهدف تأليب المجتمع برمته ضد هذا الطرف بعينه، وبما أن هذه اللوبيات تمنها قواعد المهنة من تحقيق اغراضها فإنها تلجأ الى صناعة الإشاعات عن طريق أذرعتها المختلفة.
لا تنتشر الشائعة إلا إذا كنا نريد تصديقها ونريد لها أن تنمو وتكبر وتنتشر فمهما كانت الشائعة من مصدر غير موثوق أو تحمل افتراءات أو فضائح نصدقها إذا كانت تحمل مصلحة لنا وتلبي رغبتنا وشهوتنا في أمر ما، عندها نقوم بتصديقها وترويجها سواء بقصد أو بدون قصد كيف لا وقد اتاحت لنا هذه الاشاعة التعبير عن أفكارنا الداخلية على نطاق أوسع، في وقت لا نستطيع فيه أن نطلق لأفكارنا العنان لنعبّر عن أي شيء.
السر في الإشاعة انها غالباً ما تأتي مفاجئة للعقول تقتحمها اقتحاماً، تساندها مقدمات وظروف وتهيئات مناخ يساعدان على ترسيخ بعض الاعتقاد بالإشاعة.
وبسبب عدم وجود وعي بالتأكد من مصدر المعلومة قبل تصديقها أو نشرها ولو بحسن نية، فإن الجميع سيصبح مسئولا عن ترويج الاشاعات حتى لو كان دون قصد منه.