المجالي: الأردنيون فقدوا الثقة بالاصلاح السياسي منذ 1991 .. وملوا خوف الحكومات
03-11-2018 07:19 PM
*المجالي: ما جاء في الميثاق الوطني قبل ربع قرن يحقق طموحات الأردنيين اليوم
عمون - قال رئيس مجلس النواب الأسبق عبدالهادي المجالي إنه في الأردن فقد الناس الثقة بوعود الحكومات ومشاريعها المتكررة للإصلاح السياسي ابتداء من الميثاق الوطني عام 1991 والاجندة الوطنية، الى الاوراق النقاشية الملكية مؤخرا.
وأكد المجالي خلال محاضرة القاها الثلاثاء في جمعية الشؤون الدولية حول "اهمية الاحزاب والاوضاع السياسية في المنطقة والاردن" إن العب مل لف الحكومات ودورانها وعجزها وخوفها الموهوم من الإصلاح والتغيير.
ودعا الجميع لقراءة الميثاق الوطني بعد مرور حوالي ثلاثين سنة، لانه يعتقد ان ما جاء فيه قبل ربع قرن يحقق طموحات ووحدة الاردنيين بقيادة قيادتهم الملهمة وبرسم الطريق لسياسات جديدة لبناء المستقبل الاردني.
واشار المجالي الى ان كل ما يهم الشعب، لا بد أن يطلع عليه الشعب ويساهم في الحوار حوله مبينا ان هذا هو المبدأ الاساس في الديموقراطية.
وعن ترخيص الحكومة لعدد كبير من الاحزاب قال المجالي "برأينا كانت تلك وسيلة لتقزيم العمل الحزبي وليس لخدمته، ولم نشعر ان هناك ارادة سياسية أن يكون للأحزاب الوطنية دور، رغم ترخيص هذا العدد الكبير من الاحزاب، دون التأكد من التزامها بالميثاق الوطني، أو الدستور"
وتاليا كلمة المجالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحضور الكرام،،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
لقد آلمتنا جداً فاجعة البحر الميت، التي اودت بحياة أطفالنا ،ليس هناك اي كلام يصف حجم خسارتنا، وأنني أضع اللوم الكبير على المسؤولين والجهات المعنية، عسى ولو إن تكن هذه الفاجعة التي دفع ثمنها أطفال أبرياء، جرس إنذار لكل أصحاب القرار، وأتقدم بأحر التعازي لاهالي الضحايا ونطلب لهم الرحمه ونسأل الله الشفاء التام لمن لا يزال يرقد على سرير الشفاء.
في الحديث عن مسيرة الاصلاح السياسي في الاردن وهو حديث بناء الدولة والمجتمع واعدادهما للمستقبل، نسأل عن اسباب التأخر والتعثر في مسيرة الاصلاح رغم كل الجهود والمبادرات الملكية المعلنة.
لو عدنا الى الوراء قبل ثلاثين عاماً، وتحديداً في اعقاب احداث عام 1989 المعروفة، وكنت آنذاك مسؤولاً اشارك مع آخرين في الدولة أشارك في السياسات العامة والحوارات التي تجري بحضور الملك حسين طيب الله ثراه.
حينها، شعرت كما شعر غيري من المهتمين بالعمل العام في تلك الفترة، ان جلالة الملك حسين كان يفكر جدياً بتقييم الاوضاع في البلاد ووضع أسس أكثر ديموقراطية، واكثر مشاركة شعبية بعد ان لمس ان السلطة التنفيذية تغولت بشكل كبير على السلطة التشريعية، وأن الانفراد بالقرارات من قبل عدد قليل من اللاعبين السياسيين لم يؤدي الا الى نتائج سلبية،
ورأى الملك ان تعزيز النهج الديموقراطي والاصلاح السياسي الشامل هو النهج الجديد، الذي سيعطي الحق للشعب ان يشارك في صنع القرار ويشارك ايضاً في تحمل مسؤولية البلاد، وكان هذا اعتراف كبير من الملك وبداية لعهد جديد ان احسن تنفيذه والالتزام به.
على هذا الاساس تشكلت لجنة الميثاق الوطني الملكية التي اقرها الملك للاتفاق السياسي على صياغة جديدة للتوجه الجديد، وذلك من خلال تكليف لجنة وطنية تضم مختلف اطياف المجتمع المدني والسياسي والاجتماعي تحت عنوان ما سمي "بالميثاق الوطني"، حينها اختار جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه القائمة التي شاركت في لجنة الميثاق الوطني برئاسة دولة احمد عبيدات وضمت فعلا شخصيات من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، ،
وبعد سنة من الحوار و البحث العميق للقضايا الوطنية، توصل الجميع الى توافق حول مخرجات"الميثاق الوطني" الذي عرض على جلالة الملك، وأمر جلالته بعقد اجتماع عام في المدينة الرياضية، لإشهاره والموافقة على بنود الميثاق الوطني كرؤية وطنية اصلاحية حديثة.
استمر الملك حسين في تنفيذ اطار رؤيته الاصلاحية التي وردت في الميثاق لعدة سنوات فشكلت حكومات غير تقليدية متتالية لتنفيذ الرؤية الملكية ، الى ان جاءت عملية السلام العربية الاسرائيلية عام 1933، والتي اخذت الاولوية السياسية على الساحة الاردنية، وعند ذلك تراجعت مسيرة الاصلاح والديمقراطية.
واليوم وبعد مرور حوالي ثلاثين سنة، أدعو الجميع لقراءة الميثاق الوطني، كما ادعو من قرأه سابقا ان يعيد قراءته مرة اخرى، لانني اعتقد ان ما جاء فيه قبل ربع قرن يحقق طموحات ووحدة الاردنيين بقيادة قيادتهم الملهمة وبرسم الطريق لسياسات جديدة لبناء المستقبل الاردني،
لقد تحدث الميثاق وبإسهاب عن ضرورة وجود الاحزاب السياسية ودورها المهم في بناء الدولة والمجتمع الاردني، لذا اعود بالذاكرة الى تلك الفترة والى بنود الميثاق الوطني التي اوضحت ورسمت كثيرا من السياسات التي لم تنفذ، ومنها اهمية دور مشاركة الاحزاب السياسية في الحياة السياسية ودورها في تطوير القدرات والطاقات الوطنية وتحقيق متطلبات العدالة الاجتماعية للأردنيين كافه، وتعزيز الوحدة الوطنية وخلق راي عام واعي وقاعدة اجتماعية منظمة .
لقد جاء في الميثاق في الفصل الثاني من دولة القانون والتعددية السياسية، وهنا اقتبس... "دولة القانون هي الدولة الديمقراطية التي تلتزم بمبدأ سيادة القانون وتستمد شرعيتها وسلطاتها وفاعليتها من ارادة الشعب الحرة كما تلتزم كل السلطات فيها بتوفير الضمانات القانونية والقضائية والادارية لحماية حقوق الانسان وكرامته وحرياته الاساسية التي ارسى الاسلام قواعدها واكدها الاعلان العالمي لحقوق الانسان وجميع المواثيق الدولية والاتفاقيات الصادرة عن الامم المتحدة بهذا الخصوص.
* ان الدولة الاردنية دولة القانون بالمفهوم العصري الحديث للدولة الديموقراطية، وهي دولة المواطنين جميعاً مهما اختلفت آراؤهم وتعددت اجتهاداتهم، وهي تستمد قوتها من التطبيق الفعلي المعلن لمبادئ المساواة والعدل تكافؤ الفرص، وإتاحة المجال الواسع للشعب الاردني، للمشاركة في صنع القرارات المتعلقة بحياته وشؤونه، بما يحقق للمواطنين الاستقرار النفسي والاطمئنان والثقة بالمستقبل، والغيرة على مؤسسات الدولة والاعتزاز بشرف الانتماء الى الوطن.
فكل ما يهم الشعب، لا بد أن يطلع عليه الشعب ويساهم في الحوار حوله هذا هو المبدأ الاساس في الديموقراطية.
* وفي الفقرة الرابعة من الفصل الثاني التي تنص على قواعد تنظيم الاحزاب وضوابطها جاء فيها:
للأردنيين الحق في تأليف الاحزاب والتنظيمات السياسية والانضمام اليها، على ان تكون غاياتها مشروعه ووسائلها سلمية ونظمها لا تخالف احكام الدستور الأردني.
2-أ -يقوم العمل السياسي والحزبي في الاردن على مبدأ التعددية في الفكر والرأي والتنظيم، وعلى توفير متطلبات التنافس الديموقراطي ووسائله المشروعة.
ب. عدم ارتباط قيادة الحزب واعضائه تنظيماً او مالياً بأي جهة غير اردنية، وعدم جواز توجيه النشاط الحزبي او التنظيمي بناء على اوامر او توجيهات من اي دولة او جهة خارجية.
ولا شك ان تجاوز هذا المبدأ قد ادى الى خلل كبير واضطراب في العديد من الدول العربية.
وبعد ذلك قامت الحكومة الأردنية عام 1992 بوضع قانون الاحزاب، وتم الموافقة عليه بالرغم من كثرة الشوائب الموجودة فيه، وكان هناك شعور عام ان هناك ارادة سياسية ستتحقق مع الزمن ليصبح قانون الاحزاب اكثر فاعلية.
وكان ايماني وبحسب خبرتي الحياتية والسياسية في ذلك الوقت، ان الشارع الاردني ينقسم سياسياً الى ثلاث اطياف سياسية:
الطيف الاول: يضم قوى وانشطة الحركة الاسلامية التي كانت موجودة منذ زمن بعيد، ولها قواعدها وتنظيمها، وفي اعتقادي ان الحركة الاسلامية كانت تشكل ما نسبته 20% من الجماهير.
الطيف الثاني: وتضم القوى اليسارية الاشتراكية القومية، وكان لها احزاب عقائدية مختلفة وتشكل ما نسبته 10% م الجماهير.
الطيف الثالث:وهو الطيف الاوسع الذي يمثل الغالبية الصامتة والمترددة والتي تضم المحافظين والتكنوقراط والليبراليين الذين عزفوا عن العمل الحزبي والسياسي لاسباب عديدة.
وهذا الطيف الواسع لم يوجد له تمثيل منظم على الساحة الاردنية لفترة طويلة، وما زلت اعتقد ان الاردن بحاجة الى هذه الاطياف الثلاثه، لتمثل هذه الاطياف كل طيف من حزب او حزبين، تمثل توجه هذه الشرعية، وهذا يعني ان برامج كل طيف من الاحزاب ستكون مختلفة لاختلاف المرجعية السياسية والفكرية لكل شريحه.
ولهذا يسهل على المواطنين والمهتمين سياسيا ان يتفحص وبسهولة برامج تلك الاحزاب المختلفة وأن ييختار بسهولة البرنامج الذي يعتقد انه قادر على تحقيق التقدم والاصلاح في البلاد.
كان من السهل تجميع الانشطة والحركات الاسلامية في حزب واحد وكذلك كان ممكنا وهو الاسهل جداً توحيد الاشتراكي مع اليساري والقومي في حزب واحد أو اثنين. ولكن كان من الصعب ان تقوم الشريحة الوطنية الثالثة الواسعة بعمل حزب واحد أو اثنين لوجود تقاطعات ورؤى كثيرة متباينه، عندها طرحنا صيغة تيار العهد ليضم قوى متعددة المشارب الاجتماعية بهدف تحقيق المصلحة الوطنية ضمن الثوابت الاردنية المعروفة ومن خلال الاصلاح الشامل.
وكنا ندعو ونأمل ان تتوحد هذه الشريحة الوطنية في حزب واحد أو اثنين، لكن بعد اقل من سنة كان هناك عشرة احزاب تطرح نفس الاهداف وتطرح برامج متشابهة، وظهرت شخصيات اردنية تقود هذه الاحزاب السياسية. وهنا يجب ان نتوقف عن السرد التاريخي وننظر الى النتائج السابقة وتقييم انعكاسات المرحلة سابقاعلى الوضع الحالي،
السؤال الذي نطرحه اليوم، هل خدم هذا التقدم الهائل للاحزاب السياسية (حوالي 72 حزب) في بلد صغير كالاردن العملية الديموقراطية والمشاركة، أم ساهم في تمييع دور الاحزاب وتقليل شأنها في الساحة الأردنية، سؤال يحتاج الى حوار وأجابة.
برأينا كانت تلك وسيلة لتقزيم العمل الحزبي وليس لخدمته، ولم نشعر ان هناك ارادة سياسية أن يكون للأحزاب الوطنية دور، رغم ترخيص هذا العدد الكبير من الاحزاب، دون التأكد من التزامها بالميثاق الوطني، أو الدستور ،
وعلى سبيل المثال كان هناك احزاب قائمة فوق القانون تم الترخيص لها، والدولة تعلم ذلك وهذه الاحزاب تتلقى الدعم والتعليمات من الخارج، وتم االتغاضي ومع الزمن اصبح وجودها مبررا لان تضع الحكومة، العراقيل امام الاحزاب بعامه لوجود شبهه أن بعض الأحزاب تدار من الخارج، والاساس أن تشدد على ترخيص الاحزاب الوطنية الملتزمة بالميثاق والدستور دون غيرها.
وقد جرت هناك حوارات قادها حكماء وسياسيون حول ضرورة دمج الاحزاب، وشاركنا في ذلك ونجحنا بعد اجتماعات مطولة الى دمج تسعة احزاب في حزب وطني واحد. (الوطني الدستوري) ولم نشعر مطلقاً ان هناك دعماً سياسياً لهذه المبادرة للأسف، ولم يكن هناك دعم لهذا الحزب الكبير الذي ضم شخصيات ذات خبرة ولها باع طويل في الشؤون السياسية والاصلاح والتغيير،
وفي ظل هذه الظروف أُفشلت تجربة توحيد الاحزاب الوسطية التسعة، ومع هذا لم نتوقف عن العمل والنشاط الحزبي الذي كان على امتداد الوطن، لأننا كنا نعتقد انه سيأتي يوماً تكتشف الدولة ان الاحزاب الوطنية اهم المؤسسات التي تدعم الدولة ونظامها وتحميها من العبث السياسي والخارجي.
وفي عام 2012 خلال ما سمي بالربيع العربي اعتقدنا ان الدولة قد اقتنعت به اخيراً، بفتح نوافذ للعمل السياسي والاصلاحي، وللأسف مرت تجربة لجنة الحوار الوطني ومخرجاتها دون ان تتجذر القائمة وتتحقق الصيغه الحزبية الوطنية التي نادى بها الملك عبدالله الثاني.
من اين يبدأ الاصلاح السياسي!
لا شكَّ أنَّ قانونَ الانتخابِ عصبُ العمليةِ الديمقراطية، ومنظمها وأحدُ أهمِّ روافعِها وبدون قانون انتخاب عصري، فاِّنَّ الديمقراطيةَ، والحياةَ السياسيةَ عموما، تكونُ ستعاني من ضَعفٍ جوهري، لأنَّ قانونَ انتخابٍ فيه خلل، سيترجَمُ، حكما، إلى تمثيلٍ شعبيٍّ فيه خلل، وسيؤدي الى مؤسسةٍ برلمانيةٍ في اداءها خلل، مما ينعكس على عملها الرقابي والتشريعي والسياسي.
وذلك هو الفهمُ الصحيحُ والسليم، أو لمعاني الديمقراطية، وتجلّيها الأساسيِّ المتمثلِ بقانونِ الانتخاب، ومِن قانونِ الانتخابِ والبرلمان تولَدُ بقيةُ التشريعات، فعندما ننتخِبُ على أساسِ قانونِ انتخابٍ محكومٍ بموجباتِ الديمقراطيةِ واشتراطاتِها ومتطلباتِها، سننتجٌ مجلسا نيابيا، بأعلى المعايير الوطنية والسياسية، وهذا المجلس، سيكون اميناً على المصالح الوطنية، ومسيرة التشريع والرقابة على الحكومات.
وبالقياس، إلى الديمقراطياتِ العريقة، وقوانينِ الانتخاب فيها، يمكنُ أن نقيم ما أنتجنا من قوانينِ انتخاب، من الماضي بما في ذلك القانونُ الحالي رقم 6 لعام 2016 ، وبتقييمِ قوانينِنا، ومنتَجِها البرلماني، نستطيعُ، وبسهولة، استكشافَ مقدارِ التطورِ الذي أصبناه، أو مقدارَ التراجعِ الذي بلغناه، وعندَ هذا، وهذا فقط، سنفهمُ واقِعَنا وعِلَلَه، ونُشخِّصُ أسبابَه، ويُصبِحُ لدينا مادةٌ مناسبةٌ تُمكِّنُنا مِن معالجةِ الخلل، أو نُراكمَ على الإيجابيِّ حيث وجد.
وأنا أرى أن أي قانونَ انتخاب عصري، لا بد أن يستهدف أمرينِ أساسيين، ويسعى جاهدا لجعلهما واقعا راسخا:
أولا: تغييرُ أنماطِ الاختيارِ والتصويت عندَ الناخب من النمط الجهوي الحالي الى النمط السياسي البرامجي.
ثانيا: الدفع بتسيس تشكيلة مجلسِ النواب من خلال اشراك القوى الحزبية والفكرية في المجلس، وزيادة حجمها.
إنَّ إشكاليةَ أنماطِ الاختيارِ والتصويتِ عندَ الناخبينَ نتاج القوانين التي طبقناها، لأنَّ هذِهِ القوانينَ لم تسْعَى لتطويرِ أشكالٍ وأنواعٍ مختلفةٍ مِنَ الاختيار، ولم تُـنَمِّ وعيا وتفكيرا مغايرا للسائد، فبقينا نُراوِحُ في الاختيارِ بين القريبِ أو ابنِ العشيرةِ أو ابنِ المنطقة، دون الالتفاتِ إلى قدراتِه وإمكاناته وأهليته، ليكونَ نائبا قادراً على ممارسةَ دورِهِ وصلاحياتهِ الدستورية، بشكل سليم.
والأصحُّ أنَّ قوانينَ الانتخاب، وكذلكَ حركة التثقيفَ والمناخَ السياسي، كلَّها، تستهدِفُ الدفعَ باتجاهِ الأختيار على اساس الهوية والبرامجية، وانتقاءِ الأفضلِ والأقدرِ على تحمُّلِ المسؤولية، والذي يُنكِرُ ذاتَهُ لصالِحِ العموم، ويعملُ في إطار عمل جماعي، ورؤية مشتركة.
والمقصودُ هنا، أن يؤسِّسَ قانونُ الانتخابِ لبرلمانٍ لا يحكُمُهُ نوابٌ أفراد مستقلون، بل يحكُمُهُ نوابٌ يعملون على أساسٍ حزبيٍّ وبرامجي، والأخيرةٌ مُفَضَّلةٌ على الأولى، لأنَّ البرنامَجَ الذي يرتبطُ بحزبٍ أو ائتلافٍ حزبي، فيهِ قدْرٌ كبيرٌ مِنَ الالتزامِ والديمومة، بخلافِ التكتلِ البرامجيِّ يفتقد للالتزام والديمومة، ويستطيعُ أيُّ عضوِ فيهِ أنْ يُغَيِّرَ موقِفَه، والتراجع عن كتلته.
فالحزبية، على تنوُّعِها، يجبُ أنْ تكونَ عصَبَ البرلمان، ولِكيْ تكونَ عصَبَه، لا بدَّ أنْ يُنَصَّ في القانونِ على قائمة وطنيةِ ذات صفه حزبية، وبمقدارِ النصف، إن أمكن، وأنْ تكون هناكَ نسبةُ حسم (أو ما يُعرَفُ بالعتَبَة) بحيثُ لا يُمكِنُ لحزبٍ لا يحصُلُ على نسبةِ أصواتٍ معينةٍ أن يدخلَ البرلمان، ومثلُ هذهِ النسبة، ستكونُ كفيلةَ بِأنْ تدفعَ الأحزابَ ذاتَ التوجُّهِ الواحدِ للاندِماج، مُسبقا، في قوائِمَ مشتركة، وتلتزِمَ ببرنامَجٍ توافقي.
كيف نعيد الثقة لمسيرة الديموقراطية!
في الأردن.. فقد الناس الثقة بوعود الحكومات ومشاريعها المتكررة للإصلاح السياسي ابتداء من الميثاق الوطني عام 1991 والاجندة الوطنية الى الاوراق النقاشية الملكية مؤخرا، وملت لف الحكومات ودورانها وعجزها وخوفها الموهوم من الإصلاح والتغيير.
وملت هذا التخبط، اذ أننا ندور منذ سنوات في ذات الحلقة المفرغة، فلم ننجز اصلاحاً، ولم نحقق اقتصاد تنموياً مهماً، ولا زالت اسئلة كثيرة معلقة حول المستقبل بسبب حكومات مرتبكة ادارت البلاد، يوماً بعد يوم دون رؤيا مستقبلية عجزت عن اعطاء اجابات حاسمة حول مشاكل وقضايا الوطن الملحه.
الناس، يطالبون بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، إصلاحات توفر لهم الحرية والعيش الكريم، ويعتصمون ويتظاهرون تحت سقف لم يتجاوز حدود إسقاط حكومة وحل برلمان ..
ولذلك دلالة عميقة مؤداها أن الأردنيين من مختلف المنابت والاصول يختلفون على كل شيء، إلاّ نظامهم السياسي، فالملك والعرش عندهم رمزا لوحدتهم ونهضتهم ومستقبلهم وما دون الملك قابل للنقاش والاختلاف والحوار، والاساس أن بقاء اي مسؤول في موقعه رهن بما ينجز وما يقدم للوطن، إن نجح شكر وإن قصر خرج مذموماً ..
والشعب يريد اصلاحاً ينتج واقعا أفضل يتماهى مع وعيهم المتزايد.. فالتعددية السياسة والحزبية ومكافحة الفساد والحرية والعدالة مداخل لإصلاح يبني وطنا متماسكا، تعالج منه المشاكل، ويتوفر فيه العيش الكريم والحرية والعداله.
ولنعترف أن المؤسسات الرسمية والأهلية قصرت، بل فشلت، في التقاط نبض الناس وتجاهلت مؤشرات الرفض والاحتجاج.. فالبرلمانات لم تبني جسورا مع الناس ولم تتلمس همومهم ومشاكلهم، وكانت بعيدة عنهم.
أما الحكومات فعزلت نفسها واكتفت بالعمل واتخاذ القرارات من المكاتب وبروجها العاجية، حكومات سارت بالبلاد الوراء وأخرت البلاد، ولم تكن هموم الناس من اولوياتها، أما الاحزاب والنقابات فقد خلطت احياناً بين الوطني والعربي والعالمي، فتاهت بوصلتها وشوشت فكر المواطن ووعيه حيال دورها في تبني قضايا الوطن والمجتمع والدفاع عن مصالحه..
الحضور الكرام...
نحن الآن أمام لحظة فاصلة، لا للتباطؤ والتراخي، ولا تقبل الإصلاح الشكلي، ولا تقبل تزيين الأخطاء.. والادعاء بمنجزات يدحضها الواقع احياناً.. أنها فرصة تاريخية لا بد من اقتناصها على أكمل وجه لنعيد صياغة أسس دولتنا على النحو الذي يريده القائد ويقبله شعبنا.
وأرى أن طريقنا واضح إن أردنا الإفلات من المأزق الإقليمي الراهن وتداعياته وأخطاره، واستحقاقاته الخطيرة.. نحن بحاجة إلى حياة سياسية تعددية حزبية ناضجة ومؤثرة، لا هامشية ومهمشة وسطحية وغير فاعله..
نحن بحاجة إلى برلمانات ينتخبها الناس من دون تدخل من اي جهة في إرادتهم، برلمانات تشّرع وتراقب هاجسها مصالح الوطن والمواطن.. برلمانات فيها كتل حزبية لها برامج واقعية يمكن تطبيقها من خلال المشاركة في الحكومات.
والطريق الى ذلك إقرار قانون انتخاب يتوافر على أعلى درجات الإجماع الوطني، يتضمن تمثيلا نسبيا ينمي الوعي السياسي والحزبي ويمنح الأفضلية للعمل الحزبي المنظم، ويحرم المال السياسي..
والسبيل لذلك، أيضا، قانون أحزاب يكرس الاحزاب كجزء اساس من النظام السياسي والبرلماني الاردني، وذلك سيفتح الباب واسعاً للشخصيات والاطياف الوطنية لاغناء الاحزاب والمشاركة فيها تحتاج الى قانون يعظم من شأن الحزبية والعمل الحزبي يرعاها من غير تقييد ويحفزها للانطلاق في الفضاء الوطني، لا يضعف همتها ويقلل عزيمتها.. وينقل التفاعل معها من المستوى الأمني إلى المستوى السياسي ,قانون يساهم في إنهاء العزوف الشعبي عن الانخراط في العمل الحزبي والعمل العام.
نريد قانون اجتماعات عامة يسهل ولا يصعب، يتيح للأحزاب والجماعات الحركة من غير تعقيد وتقييد. وقانون بلديات ينهي الدمج الذي خرب أكثر مما عمر.
نريد قوانين ترفع من سوية الإعلام المهني وتحفظ حقه في العمل المهني في فضاء حر، بعيدا عن التوجيه والتدخل، وبعيدا عن المحسوبية والمصالح الشخصية.. فالوطن يحتاج إلى إعلام حر فيه رأي ورأي آخر، يعكس التدافع الشعبي والوطني لخدمة البلاد وحركة الاصلاح، واستغرب تأخر الحكومة في تغيير واقع الإعلام وهي التي تعلم أوجاعه وأمراضه.
والإعلام الحر الذي تقوده شخصيات إصلاحية من شأنه أن يكون منبرا بديلا عن التظاهر.. طالما أن قضايا الوطن تطرح بحرية وتجد صداها لدى المسؤولين.
نريد إصلاحا اقتصاديا تنموياً مرتبطا بالإصلاح السياسي هدفه الاعتماد على النفس وموازنات مؤسسة على خدمة المجتمع والارتقاء به .. ومحاربة للفساد والتنفغ.
وهذا الفهمُ يجعلُني أؤمنُ أنَّ تداركَ الاخطارِ وتجنّبَها يحتاجُ، بشكلٍ عمليٍّ، إلى معالجةِ الاختلالاتِ الداخليةِ، سياسياً واقتصادياً، لبناءِ جبهةٍ داخليةٍ متماسكةٍ داعمة للحكمٍ وقادرةٍ على مواجهةِ الاستحقاقاتِ الراهنه..
والتماهي والقدرةُ أساسهُما أن نتحاورَ بينَنا، رسميينَ وأهليينَ، بصدقٍ ونوايا حسنةٍ، لنخلُصَ إلى فهمٍ مشتركٍ حول كلِّ قضايانا الداخليةِ وكيفيةِ معالجتِها من غير إقصاءٍ أو تهميشٍ أوتكسيرٍ لأيّ طرف.
ومثلما الحكومةُ، أيُّ حكومةٍ راهناً ومستقبلاً، مطالبة بمراجعةِ سياساتِها وتوجهاتِها لتتخلّصَ من التذاكي والتلاعبِ اللغويِّ والاصطلاحيِّ، والتأجيلِ والتسويفِ والمماطلةِ بدل انتهاج المعارضة والحوار، فانّ القوى المجتمعيةَ، حراكاً شعبياً وحزبياً، مطالبٌين أيضاً بمراجعةِ وتقييمِ توجهاتِهم ومواقفهم السياسيةُ، فلا احد يستطيعُ أن يأخذَ كلَّ ما يريدُ، والحكوماتُ أيضاً لا يحقُّ لها أنْ تفرضَ كلَّ ما تريد..
لن أطيل عليكم، فأنا افضل الحوار الوطني فتعدد الرؤى اساس الديموقراطية، بدونها يصبح الحكم منفرداً، أهمها، وموضوعاتها تعدد الرؤى حول القرارات السياسية وموضوعاتها لا يعد انقساماً بل تدافع سياسي ووطني يدفع الاهتمام بقضايا الوطن وينهي الجمود السياسي، والنظرة الاحادية لقضايا الوطن، والحوار الجاد يؤدي الى مشاركة جماهيرية أكبر ويضفي جدية اكبر على مناقشات الشؤون العامه سواء كان الحوار داخل المجتمع او من الاحزاب، او بينها او في ساحة البرلمان.
انا افهم التقدم السياسي، والتنمية السياسية كما التنمية الاقتصادية ايضاً على انها استثمار في المستقبل، كلما تأخرت كلما تأخرنا عن ركب النظام والاصلاح ومواكبة العصر، بذلك نبني وطناً، قوياً، مزدهراً منتجاً متواضعا للجميع وتشد لحمة الوطن والمجتمع وتؤسس لتقاليد راسخه للتوافق السياسي والوطني الذي يعلي مصالح الوطن، ويلتف حول رموزه ومكوناته، ومصلحته العليا.
مع الشكر الجزيل لهذه الدعوة الكريمة للحديث من هذا المنبر، في جمعية الشؤون الدولية وللحضور الكرام.
والسلامُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاتُه