البديهي جداً والمنطقي جداً ، أن الحكومات في كل العالم تتشكل لهدف ولبرنامج ، وتستقيل لسبب أو أسباب إن لم يكن استحقاقاً دستورياً أو ما شابه فيكون لعجزها عن تطبيق البرنامج الذي جاءت لأجل تطبيقه وتنفيذه ، أو لظهور قصورٍ أو إهمال أو فساد أو خلل أخلاقي أو أدبي للفريق أو بعض أعضائه ، وهذا ما ألفناه واعتدناه في الدول الديمقراطية وما زلنا ننتظر أن ينسحب هذا النهج على كثير من دول العالم التي لم تترسخ فيها قيم الديمقراطية بعد ، وإن كان فقط هو بعض الوقت هو الفاصل عن الوصول إلى ذلك في العالم لإن رغبات الشعوب هي التي تحسم كل ما هو موضع خلاف ، وكما أن كثيراً من الأمور تنتقل بالعدوى ، فإن التأصيل للحقوق والواجبات والحريات والديمقراطية تنتقل بالعدوى أيضاً .
لكن كيف لحكومة تتشكل بمنهجية تشبه من يرسم في الظلام أن يكون لها برنامج وتكون لديها رؤية ومن ثمّ تكون لها استراتيجيات ومعايير تقييم الأداء لتحقق أهدافها ؟
كيف لحكومة يتقاسم تشكيلها عدة جهات وبمنطلقات ودوافع متباينة لا تتقاطع ولا تلتقي ، أن تعمل بروح الفريق المتناغم المتعاضد لتحقيق أهداف ٍ أو برامج ؟
وهل الحكومات التي يتم ترقيع ردائها لمحاولة الترضية والاسترضاء والتهدئة والتقرب والتزلف والمناكفة والمجاملة والمحاباة وغير ذلك من النزوات والرغبات والهفوات ، قادرة على أن تتولى شأن العامة في التصريف وإدارة شؤون الدولة ؟
اعتدنا أن نسمع في دعايات تسويق السلع والتي تلبي أكثر من هدفٍ استهلاكي أن يجعلوا من عناوين تسويقها أنها إثنان في واحد وثلاثة في واحد وربما نادراً جداً أن نتجاوز أكثر من ذلك ، إلا في تشكيل حكوماتنا الأردنية والتي ربما تتجاوز العشرين في واحد ؛ فالتشكيل يراعي معايير كثيرة ولكنها تضيع كلها ولا أدلَّ على ذلك من حجم السخط الشعبي على الحكومات وعدم الثقة .
فحكوماتنا تخرج بعد مخاض كل تشكيل والذي هو توافق المقتسمين وإنفاذ رغبات المراكز المعتبرة في القسمة والتوزيع والتي بالضرورة تعكس حجم وتأثير كل منهم ولا عبرة كثيراً لانسجام التوليفة مما يمكنها من القيام بالمهام الموكولة بكفاءة ناهيك عن الأمانة . فتجد فيما تجد شيئاً يدل على التخصص والتكنوقراط ، وشيئاً يلبي التمثيل المناطقي إلى حدٍّ ما ، والتمثيل الجهوي حسب الرغبة ، وربما التمثيل الحزبي على أن يكون للأحزاب المعدومة تقريباً فقط وذلك له أسبابه غير الوجيهة ربما ، ولا بدَّ أن يشمل التشكيل ما يعكس العلاقات الخاصة والصداقات الخاصة وبعض التنفيعات والتوليفات .
حكوماتنا لا تُقنع ولا تُشبع وهي أشبه بالتصبيرة أو المُسكّن تُشعرك أنها تشكّلت للتلهية وترحل للتنفيس ، وما زلنا نأمل بحكومة ينتظمها معايير منتظمة غير متشاكسة تستطيع أن تعمل بروح الفريق المتجانس ولها مسؤولية تضمامنية حقيقية بموجب الدستور عن تنفيذ برنامجها وعن تحمُّل أخطائها .