"هالووين" وشبابنا الضائعين
مصطفى توفيق ابورمان
03-11-2018 05:11 PM
يرتبط عيد الهالووين أو الهالويين (بالإنجليزية: Halloween)، بمعتقدات سيلتية (غالية) ما قبل سماوية (أي وثنية). وتعود جذوره، كما يؤرخ معظم الباحثين، إلى إيرلندا القديمة، وبما يسبق ولادة السيد المسيح عليه السلام بحوالي عشرة قرون أو أقل قليلاً.
ولأن بلاد العم سام (أمريكا) تنزع دائماً إلى ثقافة الاستئثار والاحتواء، ولأن الإيرلنديين هم من بناتها الأوائل، فقد تحورت وتبدلت على مدى السنوات والعقود مفاهيم العيد وطقوسه حتى بات العيد الذي يصادف في 31 تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام، يرتبط هذه الأيام بأفلام الرعب وبممارسات بعينها، تخلط بين عيد القديسين وبين شعائر وثنية شعبية، ترتبط بأساطير قديمة ومواسم الخصب أو الزراعة عند حضارات وتجمعات بشرية أوروبية وغربية على وجه العموم.
عربياً، وتحديداً هنا في بلاد الشام، فلدينا عشرات الأساطير والمرويات والموروثات المرتبطة بالخصب، والمحتفية بآباء وأمهات الحضارات التي ازدهرت في مناطقنا. لدينا أغانينا وصلوات مطرنا، ولدينا طقوسنا في السرّاء والضرّاء التي تعود إلى آلاف السنين. للنيل أساطيره، وكذلك لمدن الساحل العربية، ولحضارات ما بين النهرين طقوسها، قبل أن تأتي المسيحية فترتقي بتلك الطقوس، وتستوعب معظمها، وتمنحها قيمة مقدسة مرتبطة بالتضحية والفداء والإيمان اليقينيّ العميق. ثم جاء الإسلام فأكمل ما تحقق قبله، وتعانق مع كثير من المعتقدات التي كانت موجودة قبله، وهذّب بعض الأساطير، وهو على وجه العموم لم يصطدم إلا مع الوثنيّ منها، غير المدين بالولاء لإه واحد أوحد، وفق نصوص آتية من السماء، وبالاستناد إلى تعاليم وأحكام وآيات ومواثيق تضبط إيقاع الحياة، وتعصرن يوميات الناس، وتنظم أسباب معيشتهم ورزقهم وحلّهم وترحالهم.
المسلمون في بلادنا يشاركون إخوتهم المسيحيين أعيادهم واحتفالاتهم، وصولاً إلى تشابه في بعض الطقوس التي تعود إلى جذورٍ ما قبل دينية سماوية، كما في قصة تلوين البيض المرتبط بعيد الفصح المجيد والشعانين، كون أصول هذا العيد مرتبطة باحتفالات حضارات ما بين النهرين والفراعنة والحضارات المشرقية على وجه العموم، بالخصب والربيع (النيروز وشم النسيم وغيرها).
والحال كذلك، فهذه ليست من تلك، فأن يتمسك أهل منطقة جغرافية بما أسس لثقافتهم وهويتهم ووجودهم، ويقيمون مع أبناء جلدتهم وشائج مودة ونقاط التقاء، لَهُوَ مما يتصالح مع منطق الأشياء، ويحفظ السلم الأهلي، ويعزِّزُ مداميك التنمية المستدامة. أما أن ينجرف أبناؤنا إلى سلوكيات مُنْبَتَّةٍ عن جذورنا، منقادة لدافعية التقليد الأعمى والانبهار العاجز لقيم غيرنا وعادات لا تشبهنا، وليس لها معطى دلاليٍّ موضوعيٍّ يمتد في تاريخنا وربوع دورنا في رسم بعض ملامح الصورة الجامعة للحضارة الإنسانية على وجه العموم، فهو مما يدفع للأسى، ويحزن القلب، ويدمي الروح، ويجعلنا نتخيّل حجم الخراب المعرفي الحضاريّ المرجعيّ الذي ابتلى به أبناؤنا، وانصاعت إليه أجيالنا الصاعدة.
الهالووين ليس مناسبة تعنينا، وعبادة الشيطان معتقدٌ تخريبيّ يستهدف مستقبل شبابنا، والعولمة بمفهومها العميق القويم، هي أن نتواصل مع الآخر من خلال التمسك بخصوصياتنا، وتعريفه بروحنا وملامح وجداننا، لا أن نهرول إليه بما ملّ هو نفسه منه، وبما يصوّرنا كمسوخ زائفة له، لا لون لها ولا طعم ولا رائحة.
مجتمعاتنا العربية بحاجة إلى إقامة حوارٍ فكريٍّ معرفيٍّ عميقٍ شاملٍ صادقِ النوايا، قبل أن نعدم الدواعش أو نداهم الشباب الطائش.