هل تعود الدولة مرة أخرى الى قبضة المحافظين ؟
د.طلال طلب الشرفات
03-11-2018 12:10 PM
عندما كٌلف دولة الرزاز بتشكيل الحكومة استبشرنا خيراً برجل يتقن اسلوب العمل في المنطقة الفاصلة والمتوسطة بين الليبراليين والمحافظين ، وقلنا وقتذاك ان الطريق الثالث هو ما سينتهجه الرجل في اداء الحكومة لعملها بعد ان ضقنا ذرعاً بنكوص المحافظين وتفريط الليبراليين الجدد، وبين هذا وذاك الأنتكاسة الأخلاقية المفجعة التي شهدتها منظومة القيم الاجتماعية ورافقت الاداء العام منذ منتصف التسعينات وألهبت بوادر القلق لكل النخب الحية والمؤسسات المنضبطة في الدولة.
اغمضنا عيوننا عن تشكيلة الحكومة حينذاك؛ من اجل امنيات النجاح التي كانت ترافق اعجابنا بتكليف الرئيس وثقتنا الأكيدة بنبل سجاياه، وتملكنا الذهول والقلق ونحن نشهد حكومة جمعت الأضداد في النهج والثقافة والأسلوب، وخليط من الساسة، والتكنوقراط، والمحافظين، والاصلاجيين والقافزين بين هؤلاء واولئك لا يجمعهم سوى القسم امام صاحب الشأن ومشاعر الأمتنان من دولة الرئيس، وتمنينا وقتها ان يتم وضع خطة عمل وطنية تنقل البلاد الى اصلاح حقيقي؛ تبدأ بالضرورة من اصلاح المؤسسات الرقابية كافة، ومأسسة عملها، وتحاكي التزامات الرئيس امام الرأي العام والبرلمان، سيما وان الجميع يدرك ان طبيعة التعاطي مع ملف النزاهة ومكافحة الفساد هو المؤشر الاساس لمدى نجاح الحكومة او فشلها في كسب ثقة الناس.
بطء الحكومة، وعدم جاهزيتها للولوج في اصلاح حقيقي للمؤسسات الرقابية كشف عوار كبير في مدى قدرة الحكومة على مواجهة قوى الشد العكسي من جهة، ودرجة انسجام الفريق الوزاري في الدفاع عن توجهات الرئيس الأصلاحية التي التزم بها امام البرلمان من جهة أخرى، وتشي بالحاجة الى وقفة مع الذات ومراجعة شاملة وحقيقية للسياسات والتشريعات التي التزمت بها الحكومة امام الشعب.
صمتنا على مضض بخصوص التعديلات التشريعية التي دفعت بها الحكومة للبرلمان بخصوص قانون النزاهة ومكافحة الفساد وقانون الكسب غير المشروع، وقلنا انها خطوة سنناضل بعدها لخطوات أخرى، ولكني اتسائل ماذا بقي من قانون الكسب غير المشروع بعد التعديلات التي ادخلتها اللجنة القانونية في مجلس النواب على المشروع بشكل اولي وعدم جواز فحص اقرارات الذمة المالية الا بناءاً على شكوى ؟ فهل نحن بصدد مراقبة حقيقية لنمو الثروة والتي التزمت بها الحكومة امام الملأ ؟.
الخلطة الوزارية الحالية لا تنتج قراراً وطنياً سليماً؛ بل انتجت ازمة كان بالأمكان تجنبها بشيء من الحصافة والمرونة وسعة الأفق من بعض الوزراء، والخطاب الأعلامي ما زال مرتبكاً، ويفتقر للأحتراف والحجة والأقناع، وكأنه يعبر عن دولة ناشئة، والازمة الأخيرة اذكت عوامل المطالبة بأعادة انتاج النخب التي تدير المشهد العام؛ في ظل واقع مؤلم يفتقر للقادة، ويعج بكبار الموظفين، ومراعاة المعايير الوطنية التي تواكب الرؤى الاصلاحية للرئيس والتزاماته السياسية في هذا الشأن، والاستشارة غير الملزمة باتت ضرورة وبما لا يؤثر على متطلبات الأصلاح.
ثلاثة مخاطر تحيط بالمشروع الأصلاحي للرئيس اولها :- عدم قدرة الرئيس على الأحاطة بمحددات وحدود المزاج العام الأردني في الأزمات، وعند اتخاذ الحكومة للقرارات المفصلية، وثانيهما :- عدم ادراك الرئيس ان حكومات التكنوقراط لا يمكن ان تنجح في الأردن، لأن الاردني بطبعه لا يقبل الا الوزير القوي الذي يمتلك ادوات الحوار ومتطلبات القيادة، ولا يأبه كثيراً بالأرقام والنتائج؛ فالشخصية الاردنية شخصية انطباعية في المقام الأول، وثالثهما :- ان هناك قوى واشخاص من داخل الأدارة العامة وخارجها تعمل لأفشال الحكومة واعادة قبضة غلاة المحافظين على مفاصل الدولة لأعتبارات سياسية واجتماعية داخلية وخارجية، واسهم في تعزيز دور هؤلاء الضعف الواضح لما يقارب ثلثي الفريق الوزاري لحكومة الرزاز.
لا اظن ان الغطاء رُفع عن حكومة الرزاز ولكنه تذكير قاسٍ بفشل الحكومة في ادارة الأزمة الأخيرة سياسياً واعلامياً وبشكل يعيد الى الأذهان ضرورة الادراك ان الوزارة موقع سياسي لا يشغله الا القادة وليس كبار الموظفين، وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء ...!!