facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




مسؤولية الدولة والمسآءلة الوزاريّة: المفهوم والمأمول


سيف زياد الجنيدي
03-11-2018 10:56 AM

عمون- تستوقفني مراراً جملةٌ لإحدى كاتبات الصّحف المحليّة ضمّنتها بمقالٍ بعنوان "دروس قضائيّة مُستفادة... لبنان والسّويد وفرنسا" عندما أبدعت في وصف نشوء المبادئ القانونيّة قائلةً :"ينتابني شعورٌ عندما أتمعّن في الأحكام القضائيّة لبعض الدول بأنّ المبدأ القانونيّ كالإنسان ينمو ويترعرع حتى يشتد لكنه يبقى في شبابه دون أن يمرض أو يهرم".

لم يكن يعرف بلانكو فرنسيّ الجنسية، والمُقيم حينها في مدينة بوردو الواقعة في الجنوب الغربيّ للجمهورية الفرنسيّة، بأنّ قضيته ستتردّد على مدى قرونٍ من الزّمن وستكون فجر ميلاد مفهوم مسؤولية الدولة عن أعمالها. تعود هذه القضية إلى عام 1873 وتتلخص تفاصيلها بأنّ عربةً تابعةً لمصنع التّبغ المملوك للدولة إصطدمت بطفلة، ما تسبّب لها بجروحٍ وأضرارٍ جسديّةٍ، وعندها قرّرت محكمة التّنازع الفرنسيّة مسؤولية الدولة عن الأضرار النّاجمة عن المرافق العامّة، مع تأكيدها على انعقاد الإختصاص النوعيّ لجهة القضاء الإداريّ في مثل هذه المنازعات على اعتبارها منازعاتٍ إداريّةٍ بحتةٍ.

وعليه، فإنّ مسؤولية الدولة عن أعمالها هو مبدأ قانونيّ راسخ ومُتجذّر في النّظم القانونيّة والقضائيّة ولا يمكن المُنازعة على وجوده من عدمه. أمّا التّطبيقات القضائيّة لهذا المبدأ في الأردن فهي محدودة جداً، وذات أطرٍ ضيّقةٍ، وتأتي بإطار الضّرر الماديّ الناشئ عن بعض الجهات التقليديّة دون غيرها، ويُرد السّبب المُباشر لهذا إلى حداثة نشأة القضاء الإداريّ في الأردن، وعدم وجود مدرسة وتأهيل متخصّصين لهذا القضاء.

أمّا مسؤولية الوزراء من الناحية الدستوريّة فتنقسم إلى مسؤولية سياسيّة وأخرى جزائيّة؛ حيث تمثّل المسؤولية السياسيّة إحدى عناصر النظام البرلمانيّ الذي يكفل الرّقابة البرلمانيّة على أعمال السّلطة التنفيذيّة كافةً، ومنح البرلمان مكنة طرح الثّقة بالحكومة، وهي الصّلاحية التي يُقابلها سلاح حل البرلمان وإنهاء وجوده، وعودة الإحتكام لكلمة الشّعب صاحب السّيادة ومصدر السّلطات.
وتكمن في طيات المسؤولية السياسيّة بمفومها الديمقراطيّ التقدميّ مبدأ الإستشعار الإستباقيّ للمسؤولية، والذي يمكننا أن نبيّنه في مثالين إثنين، أولهما: تقديم الأب الروحيّ للجمهورية الفرنسيّة الخامسة شارل ديغول إستقالته في عام 1969 نتيجة عدم نجاح الإستفتاء الإصلاحيّ المُقدّم من قبله. وثانيهما: المقولة الشهيرة للخليفة الراشديّ الثاني عمر بن الخطاب في فجر الإسلام باعتباره قائداً سياسيّاً، والتي جاء بها:"والله لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله عنها، لمَ لم تمهّد لها الطريق يا عمر؟".

وعلى الصّعيد ذاته يرى المُتتبع للتّاريخ السياسيّ في الأردن غياب التّطبيقات العمليّة لمفهوم المسؤولية السياسيّة للحكومات بشقيها المُشار إليهما، ما يوجب محاولة البحث عن إجابة مقنعة لهذا التّساؤل المشروع، ومعالجة الإختلالات البنيويّة المؤدية إليه على الصّعد كافةً.

أمّا الملاحقة الجزائيّة بحق الوزراء فتُثير العديد من الإشكاليات والمُغالطات من الناحية العمليّة، ويردّ هذا إلى تعقّد إجراءاتها وربّما استحالة تحقّق متطلباتها الدستوريّة نتيجة عوامل مختلطةٍ، على الرّغم من وضوح النّصوص الدستوريّة الناظمة لتحريك دعوى الحق العام ضدّهم.

فقد رسم الدستور الأردنيّ قواعد المسآءلة الجزائيّة بحق الوزراء؛ حيث منح القضاء النظاميّ بموجب التّعديل الدستوريّ لسنة 2011 صلاحية محاكمة الوزراء لينهي بهذا ولاية المجلس العالي كمحكمة خاصّة لمحاكمة الوزراء، علاوةً على تعليق تحريك دعوى الحق العام بحقّهم على إحالة مجلس النّواب بموجب قرارٍ يتّخذه المجلس بالأغلبية.

مسيرتنا مع إشكاليات الملاحقة الجزائيّة بحق هذه الفئة طويلة جداً؛ ففي هذا العام ردّ القضاء شكوى مقدّمة ضد أحد رؤساء الوزراء السّابقين لعدم التّقيد بالإجراءات الدستوريّة لملاحقة الوزراء وأوقف الملاحقة الجزائيّة لعدم تحقق شرط الإحالة الدستوريّ، كما ستلاقي حتماً الشّكاوى المُقدّمة بحق الوزراء في قضية البحر الميت هذا المصير وللأسباب ذاتها. مع التأكيد على إمكانية ملاحقة الوزراء المستقيلين جزائيّاً عمّا يُنسب إليهم من جرائم نتيجة عملهم شريطة توفّر قرار إحالتهم إلى القضاء من قبل مجلس النّواب.
بقي أن نتأمّل مطالعة أحكامٍ قضائيّةٍ في المُستقبل القريب تتبنى مفهوم مسؤولية الدولة عن أعمالها بامتداد المفاهيم الرّاسخة في فرنسا ومصر، ووفق منطلقٍ حقوقيّ يؤمن باعتبار مسؤولية الدولة عن أعمالها حقٌ مشروعٌ للأفراد. علاوةً على الإيمان الجاد بالاستشعار الإستباقيّ للمسؤولية السياسيّة، فالتّاريخ السياسيّ يجب ألّا يملؤه الفراغ.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :