درج مصطلح جرائم الشرف بصورة ملفتة وغريبة خلال العقود الثلاثة الماضية في المجتمعات العربية وبخاصة في البيئة المتدينة والمحافظة، واكتسب هذا المصطلح "قيمة" وحصانة خاصة من خلال الإيحاء بأن هذه الجرائم ترتكب دفاعاً عن الشرف، ولم يتوقف العقل "الجمعي"، و|أو "العقل المجتمعي" عند مغزى المصطلح ومدى ضرره الاجتماعي وقدرته على "شرعنة" الجريمة وتبريرها وبالتالي انتشارها بصورة كبيرة، وباتت المرأة في تلك المجتمعات واقعة تحت وطأة تهديد دائم من قبل الرجل الذي بات يمتلك "حق" القتل بل والحصول في الكثير من القوانين على العذر المخفف.
عندما قرأت عن الحالات التي تقتل فيها المرأة بحجة أنها خرجت عن العرف والأخلاق أو أنها لوثت شرف العائلة وجدت أن هذه الثقافة وهذا المصطلح كرس المجتمع الذكوري بصورة "إرهابية" بشعة، ووجدت وفي حالات كثيرة أن مرتكبي مثل هذه الجرائم هم أشخاص لا يعرفون أصلاً معنى الشرف وطبيعته وأخلاقه، وأغلبهم من عديمي الثقافة والتعليم، ومن أصحاب السوابق أو مدمني الخمر والمخدرات، ومن مرتكبي جرائم جنسية وشذوذ، أو من أصحاب التدين "الجاهل" الذي لا يفقه معنى الدين أو جوهره، ويرى أن أخته أو زوجته أو ابنته إن تحدثت بشكل مباشر أو عبر الهاتف مع شاب في العمل أو في محيطها الاجتماعي، أو خرجت سافرة إلى بيت جارتها أو عند صديقتها، فإنها تصبح عديمة الشرف وصار الخلاص منها ومن عارها حلالاً.
وهناك الكثير من الحالات التي قُتلت فيها فتيات لمجرد الشك بهن بأنهن أقمن علاقات جنسية مع شبان وفقدن عذريتهن، وثبت بعد وفاتهن أنهن ما يزلن عذروات، ومع ذلك لم يندم القاتل لأن الشرف بالنسبة له هو عدم الاختلاط بالمطلق بالجنس الآخر تحت اى مسمى أو أى عنوان.
المسألة الأخطر في هذا الموضوع الشائك والمعقد هو التواطؤ القانوني في الكثير الأنظمة القانونية العربية وإعطاء المجرم ما يسمى "العذر المخفف"، والتواطؤ المجتمعي الذي يُعظم "جريمة الشرف"، ويعتبرها فعلاً رجولياً خالصاً، يحظى بالتقدير والتبجيل والرفعة الاجتماعية حتى وإن ارتكبها شخص "وضيع خلقاً وسلوكاً" وتطارده الاتهامات الأخلاقية، في الوقت الذي يُحتقر فيه الرجل "الذي لا يدافع عن شرفه ويسمح لابنته أو أخته أو زوجته بهامش من الحرية يتيح لها الاختلاط بالرجال والمقصود هنا "الشرف المجتمعي" أي الشرف الذي يريده المجتمع ويعتبره معياراً للرجولة وان تناقض ذلك مع القيم الإنسانية والضمير والحرية .
من أغرب الحالات التي قرأت عنها تحت عنوان جرائم الشرف أن أباً "مريضاً نفسياً" اعتاد الاعتداء جنسياً على ابنته المطلقة التي لجأت إليه في بيته الذي يعيش فيه وحيداً بعد زواج ابنتيه الأخريين. هذا الأب كان يمارس الجنس مع زوجته بصورة شبه علنية على مرأى ومسمع من البنات اللواتي عانين من تحرشه المستمر بهن، وكانت الأم التي ماتت كدراً ونكداً من الحياة مع هذا الوحش البشري عاجزة عن فضح أمره، وكانت توصي بناتها بأن لا يفضحن الأمر "حفاظاً على شرف العيلة وسمعتها"، إلا أن الأقدار فضحت الأمر، وحملت البنت المطلقة من والدها وخافت أن تخبره لعلمها بنفسيته وعقليته المريضة التي ستدفعه حتما لقتلها، وأبلغت إحدى أخواتها التي استشارت زوجها فأشار عليها بإبلاغ الشرطة بحقيقة سلوك الأب وتاريخه الشاذ مع زوجته المتوفاة وبناته، وفي التحقيقات اعترف الأب المجرم بكل الحقائق، ولكن المعلومة الصادمة كانت اعترافه بأنه كان يخطط لقتل ابنته المقيمة عنده في البيت بعد أن اكتشف حملها منه، والاعتراف الأخطر أنه كان سيقتلها ويتهمها بالزنا والحمل خارج نطاق الزوجية. وقال بوضوح: كنت سأقتلها والقانون سيعتبرها جريمة شرف.
24: