الكلمة طريق الأبرار إلى عليين
سامر حيدر المجالي
29-06-2009 10:31 PM
قَدرُنا ، نحن الذين هنا أوانا ومكانا ، أن تكون بعضُ أوجاعنا الكلمة ، وأهمُّ خيباتنا قولَها ... قَدرُنا أن نستنشق الأمل ونمارس رومانسية البطولة وغواية الفن وعنجهية التفكير ، ثم نرتدَّ على أنفسنا - بعد ذلك وبنتيجته - مقهورين محزونين ، بل مذبوحين بقسوة النقد - الذي اقترفناه بأيدينا - وفداحة الحقيقة .
توضيح ذلك يعرفه الذين واجهوا الكلمة مسكونين بهم وقضية ، فجرَّبوا وسوسة الفكرة ودلالها ، حين تفصح عن نفسها رويدا رويدا ، على خجل واستحياء أولا ، مثل جنين يخرج إلى الوجود ، نعرفه غير أنه مُبهم ، نتوقعه ولا نؤكده ، نحبُّه نرسم ملامحه ، نعطف عليه ، حتى إذا تمكَّن منا عِشقُه ، تحوَّل إلى مارد ضخم ، يسطو علينا فنقول الذي يمليه مشدوهين مرغمين ، فإن غَرَزَتْ الحقيقة أنيابها في لحمنا ... اطمأنَّ وغادر .
الفكرة غانية لعوب تغريك يا من يريد الكلام بجمالها ، تسرقك من عالمك ، تتمادى في الولوج إلى مخيلتك ، تأسرُ فكرك فَتُظِلُّكَ مثل غمامة مُسرفة في جودها ، تهطل عليك بوابل من الحياة ، كل قطرة منه تفرش تحت قدميك بستانا من الأزهار والرياحين ، تلتقط منها الذي يعجبك ويرضي فصاحتك . تَنْظمُها عقدا من قصيدة أو مقالة أو قصة . تكتمل الدورة بك وعلى حسابك ، ثم تنقشع الغمامة ، فإذا البستان خراب ، وإذا الوابل هجير . وإذا الرياحين طعنات في قلبك .
جرِّبوا يا أبناء االزمان والمكان ، زماننا هذا ومكاننا هذا ، يا من تعودتم الخيبة وافترشتم الكُساح ، أن تَلِجوا إلى عالم الكلمة ظانين بأنفسكم خيرا محاولين الإصلاح . جربوا كم هو صعب أن تجلد ذاتك .. وكم هو مستحيل أن تنتزع نفسك من انتمائها وتظنَّ أن موضوعيتك تبيح لك نقد البنيان الذي أنت أحد لَبِناتِه . جربوا كيف يكون حالك عندما تُعرّي الجسد الذي تحب فتكشف سوءته وتفضح نفسك . جربوا يوما أن تتصادم المحبة فيكم مع العقل والمنطق ، فتحاصركم مشاعركم وتجعلكم تقفون أمام ما اقترفتموه من نَكء الجراح متمنين أنكم خُلقتم طرشانا وعميانا لا أرضا تقطعون ولا ظهرا تُبقون . جربوا كيف لا يغادر الإنسان دمه ، إلا جثة هامدة ، أو اسطورة من أساطير الخيال .
العدالة أو الوطنية وغيرهما كثير ، ليس سهلا أن تنبش أحد هذه الجراح ، فالثالوث هنا يحاصرك ، وطنك ومجتمعك ونفسك . فكيف تفرُّ منها وفيها جِماع وجودك وما اشتملَ عليه معنى الحياة في ذاتك ؟! هل قَدَرُنا أن نهرب من قهر الى قهر ؟ هل النَزْعُ وخروج الروح أصعب من وقوفك أمام حقيقة الذي تراه عيناك ثم لا تملك إلا أحد خيارين : فإما أن تلوذ بالصمت وتترك العفن يتخلل عظامك ، وإما أن تفصح عن مكنونك فتوجه طعنة إلى نفسك وكبريائك قبل أي شيء آخر ؟؟؟
ثم هَبْ أنك فعلت هذا كله ، ودعست على أعصابك وقلبك ، مدركا أن المهمة عسيرة ، وأن الأمر يتطلب أجيالا من الذين أقلُّهُم خير منك بمراحل ، حتى يكون من الممكن قلب معطيات الزمان والمكان ، هب ذلك وانظر إلى ما يعتريك عندما تدرك ضآلة حجمك وضياعك سدىََ أمام الواقع الذي لايتغير إلا نكوصا إلى الوراء ، وكأنَّ أُذُنَ الزمان لا تسمع وعينَه لا ترى . أُقسمُ أن خلق الأولياء قليل على أن يحتمل هذا . فكيف بك أنت ، وكيف بضعفك ومحدوديتك ؟
هكذا يكون القبض على الجمر ، اقتحاما للصعب ومعركة تخوضها حتى لو احترقَتْ عظامك . معركة تدرك أنك أول قتلاها ، فإن أصررت على خوضها كنت والمنتحرَ سواء ، فانظر بعين فكرك إلى انتحار يقودك إلى عليين ....
Samhm111@hotmail.com