إعلام الغرباء للثرثرة فقط
نبيل غيشان
01-11-2018 11:52 PM
(طفح الكيل) تلك كانت رسالة جلالة الملك عبد االله الثاني في مقاله المنشور أول أمس «منصات التواصل ام التناحر
الاجتماعي». فقد جاءت صرخة الملك لأننا نعيش فوضى إعلامية عارمة في الشبكة العنكبوتية بدأت تهدد منظومة
السلم الوطني.
ولم يسلم مقال جلالته من الذباب الالكتروني الذي انطلق فورا في الإشاعة ليضع المقال في خانة تأييد مشروع قانون الجرائم الالكترونية الموجود في مجلس النواب وحث النواب على الإسراع في إقراره من اجل تغليظ العقوبات على أصحاب الرأي والتعدي على الحريات العامة.
والصحيح أن الملك أطلق وثيقة فكرية كي «نلحق أنفسنا ومجتمعنا قبل خراب الديار» ولم يطلب إلا مراعاة التوازن بين حرية التعبير وحق المواطن في احترام خصوصيته، بعيدا عن العدوانية والتجريح والكراهية، وبذلك يرسي أسسا للحد من الفوضى والتجاوز على الحريات.
وقد خص جلالته الحكومة بدعوته الى العمل بشفافية وتوفير معلومات دقيقة للمواطن دون تباطؤ ودعا الإعلاميين الى رفع معاييرهم المهنية والالتزام بالمسؤوليات الأخلاقية، وهذه هو مربط الفرس، فغياب المعلومة هو ما يطلق الإشاعات، وغياب المهنية والمسؤولية والمساءلة يطلق العنان للفرد للتجاوز على القانون.
لأن الظاهرة تعمقت، أصبح لدينا «بورصة» شهرية للإشاعات يعمل بها متخصصون في الرصد والتحليل الذين درسوا تطور هذه الظاهرة الخطيرة التي همشت العقل الجمعي وأطلقت العنان للإفراد لقيادة المجتمع والناس دون دراية او تأهيل او حتى ادنى معرفة، فقط من اجل الثرثرة واثبات الذات.
ويتذبذب مؤشر الإشاعات صعودا وهبوطا مع المزاج الشعبي والضخ من الخارج. وقد وثق مرصد الإعلام الأردني»أكيد» تراجع الإشاعات في تشرين أول الماضي بنسبة 32% عن مثيلاتها في أيلول الماضي. وحسب المرصد، فقد أطلق الأعلام الرقمي 26 إشاعة في تشرين أول مقابل 42 إشاعة في الشهر الذي سبقه، وهذه يشكل انخفاضا عن
عدد الإشاعات التي اجتاحتنا في أب الماضي ووصلت الى 45 إشاعة.
نعم أصبح الأعلام الجديد خارج الرقابة الحكومية وأداة اتصال مع المواطن الذي مل دور المتلقي وبات يبحث عن دور الشريك والصانع للحدث ونقله عندما تعجز وسائل الإعلام التقليدية عن الوصول الى الحدث.
أسقط الأعلام الرقمي مفهوم الرقابة وأكد تآكل سيادة الدول على إقليمها ومواطنيها ونفخ شخصية الفرد على حساب المجتمع. وهنا يأتي دور الحكومات في استيعاب هذه الثورة الجامحة لا من اجل السيطرة عليها، بل من اجل تنظيمها وتهذيبها والاستفادة منها.
للأسف لم يقابل التطور الهائل في وسائل الأعلام تحسنا مماثلاً في المهنية الصحفية او في التشريعات او حتى في عقلية الإنسان، فبقينا في حالة صراع بين الماضي والحاضر، بين الاستبداد والحرية، بين الحقيقة والخرافة.
عندما نشكو من تراجع أداء وسائل الأعلام ومهنيتها فهذا يعود للخلط القاتل بين وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الأعلام وهي معضلة كبيرة لا زال العالم يقف عاجزا عن رسم الحدود بينهما. فمهنة الصحافة والأعلام مغرية، لذا ركب الموجة كثير من الغرباء الذين لا يعرفون إنها مهنة لها شروطها ومعاييرها.
التنظيم اليوم مطلوب، لكن بعيدا عن العقوبات السالبة للحرية «التوقيف والحبس».
فالعقوبة الأكثر إيلاما هي الغرامة المالية والتعويض الشخصي للمتضرر فمن يخطئ بحق الناس يجب أن يعوضهم لا أن تحبسه الدولة نيابة عنهم.
لا فائدة من المطالبة بحرية الإعلام إن لم نهيئ القاعدة الثقافية والتشريعية التي تقود الى انفتاح العقل العربي نحو قبول التعددية في الآراء والأفكار وقبول الأخر واعتبار الاختلاف بين الناس يقع في دائرة الصواب والخطأ وليس في دائرة الحلال والحرام. (الرأي)