حينما ينتقد الملك عبدالله الثاني التناحر الاجتماعي عبر مواقع التواصل
عمر الرداد
01-11-2018 03:12 PM
خلافا لقيادات كثيرة في الشرق الأوسط ، وخاصة الدول العربية والإسلامية، حيث من النادر جدا أن ينخرط قائد الدولة في حوارات مع المواطنين ، ذات ارتباط بالشأن العام، في الوقت الذي بإمكانه ان يوعز ويأمر بتنفيذ توجيهات وقرارات عبر مراسيم، الا أن جلالة الملك عبدالله الثاني، يقرر مجددا توجيه خطاب مباشر الى المواطنين في الاردن ، من خلال مقال، تم نشره وتداوله عبر العديد من المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، وهي موضوع المقال، الذي جاء على صيغة استفهام استنكاري يعكس جوهر القضية موضوع المقال”منصات التواصل أم التناحر الاجتماعي؟”
المقال ربما شكل مفاجأة للأردنيين، ارتباطا بالتقنية التي نشر بها ، وهي “مقال” بدلا من “ورقة نقاشية”على خلفية الأوراق النقاشية، التي أصدرها الملك في مراحل سابقة ، وعددها سبعة أوراق ، تضمنت أفكارا حول قضايا الشأن العام، مرتبطة بالمسيرة الديمقراطية، تطوير النظام الديمقراطي، المواطنة الفاعلة، وسيادة القانون والدولة المدنية، وتطوير العملية التعليمية، وبذلك يواصل الملك تثبيت نهجه بان ما يطرحه أفكارا قابلة للنقاش والحوار، خاصة وان المقال تضمن اعلانا ملكيا بانتظار الملك للتعليق عليه، وانه يقرا تلك التعليقات ويتابعها.
فكرة المقال تركز على المحتوى الذي تتضمنه مواقع التواصل الاجتماعي وكيفية تعامل قطاعات شعبية ونخبوية مع إشاعات وتسريبات وتشكيك بالأردن وقراراته واتجاهاته السياسية وعلاقاته ومواقفه من قضايا مفصلية يعيشها الإقليم والمنطقة، و تشكيك شخصي وصل لجلالة الملك نفسه وأسرته، هذا بالإضافة لكم هائل من مفردات خطاب الكراهية والتطرف والتجريح، الذي طال مؤسسات الدولة ، ولا يخدم الا الاعداء في تقديم صورة غيرمنصفة عن الاردن، وطرح الملك أسئلة مفتوحة حول حول أسباب هذه الممارسات والذين يقفون وراءها، وانها تأتي في إطار أجندات خاصة، لتصفية حسابات واستقطاب للرأي العام، مؤكد انها غيربعيدة عن سياقات تحويل الاردن ل”ساحة”تمارس من خلالها بعض النخب نشاطها في سياقات خدمة اجندات صراعات اقليمية، اصبحت مكشوفة ومعروفة.
ورغم ذهاب بعض النخب السياسية في تحليلها ان المقال الملكي يمهد لتأييد مشروع قانون الجرائم الالكترونية المزمع طرحه قريبا في البرلمان، الا ان ذلك مستبعد الى حد كبير في ظل توفر بدائل أخرى ، لو كان الهدف دعم قانون الجرائم الالكترونية، ويبدو ان فكرة المقال تلامس قناعات شعبية ونخبوية وحالة احتجاجية تسود في أوساط قطاعات عديدة ، تنتقد بشدة ما تصفه بحالة “الانفلات” التي تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي في سياقات خارجة عن حرية الرأي والتعبير، والنقد البناء واحترام أساسيات الحوار حول الشأن العام، في ظل سهولة وسيولة ما يمكن نشره عبر تلك المواقع، التي أصبحت احد واهم ابرز مصادر الأخبار لدى كثيرين، تترافق مع “قصدية” في أحيان كثيرة للتعامل مع ما ينشر باعتبارها حقائق، دون تكلف عناء تمحيصها وتدقيقها.
ان يكون مقالا بقلم الملك، وليس أمرا ولا توجيها، وان يكون المتلقي فيه أجهزة الإعلام الرسمية والشعبية والفاعلون على مواقع التواصل الاجتماعي باطيافهم المختلفة، يعكس إدراكا ملكيا عميقا وواعيا، لحجم إشكالية التحولات والعلاقة بين الفضاء العام وشبكة الانترنت، والتي أصبح فيها الإعلام التقليدي”إذاعة وتلفزيون وصحف ورقية”احد الفاعلين في توجيه الرأي العام والتأثير باتجاهاته ، وليس الفاعل الوحيد، في ظل مقولات الإعلام البديل والمواطن الصحفي، فأي فرد بإمكانه اليوم ان يكون محطة فضائية او صحيفة او اذاعة ، ناهيك عن عدم اعتراف هذه الشبكة بالحدود السياسية بين الدول ، وكل ما استقرت عليه مفاهيم الدولة والسيادة، ولاحقا مفاهيم الهيبة.
لا شك ان المشكلة تزداد تعقيدا، في ظل حجم المسكوت عنه، اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، ليس في الأردن فقط وإنما في غالبية البلدان العربية والإسلامية، والذي لم توفر وسائل الإعلام التقليدي، ماقبل الانترنت، فرصا حقيقة للتعبيرعنه، وهو ما جعل الانترنت وسيلة تعبير حداثية وبديلة، لافراد وجماعات مشبعة بانساق مغلقة، ومتخندقة باسلحة وادوات وقواميس تاريخية غنية بالتنافر والعدوانية والتطرف والتحفز والشكوك بالاخر، غير قادرة على الاستجابة والتكيف مع ما تطرحه شبكة الانترنت من مفاهيم مرتبطة بالتعددية والتنوع وقبول الراي الاخر، باعتبارها ابرز سمات المجتمعات الحديثة.
مؤكد ان حوارات ونقاشات كثيرة ستتواصل حول ما جاء في المقال الملكي، وقد دلت ردود الفعل الأولية على قضية المقال وحجم التفاعل معها، أهمية ونوعية القضية، في إطار تأييد لضرورة ضبط حالات “التنمر والتفلت” بما فيها التي نعيشها كأرباب اسر ومجتمعات، حتى في اطر أسرنا الضيقة .
وكان من الغرابة بمكان، وعلى هامش ردود الفعل تلك، أن اصواتا من بعض العاملين في مؤسسات المجتمع المدني، بما فيها التي تطالب بحرية التعبير والحوار، في إطار منظومات قيم وقوانين حقوق الإنسان، تتداول”همسا” ان الملك كان بإمكانه إصدار أمر او توجيه في إطار الملاحظات النقدية التي تضمنها المقال لمؤسسات الدولة للتعامل معها، في وقت لم يسجل فيه على الأردن إغلاق أي من مواقع التواصل الاجتماعي ، غير مدركين لمضمون الرسالة الملكية بأنها تخاطب العقل الجمعي للمتلقين، أفرادا وجماعات ومؤسسات دولة، وعبر استخدام مواقع التواصل عينها ، موضع النقد ، وتذكيرا بمفاهيم دولة المؤسسات والقانون ، والتعديات التي تقع عليها هنا وهناك في معالجة كافة قضايانا، لأسباب مرتبطة بعدم استيعاب التحولات المتسارعة والعميقة التي يشهدها المجتمع والدولة معا، ، باتجاه الدولة والمجتمع الحداثي، وان تلك التحولات لم تفض بعد لإنتاج مقاربات تجعل “الصراع الاجتماعي” على هذه التحولات منسجما مع منظومة القيم التي تطرحها شبكة الانترتنت ، والتي تعطي أولوية لصياغة ذلك الصراع على أساس :البرامج والأفكار وليس الأشخاص وما يرتبط بذلك من محددات مكان الولادة والطائفة والإقليم، والتي أصبحت تحول دون إنفاذ القانون.
خبير امن استراتيجي / مدير عام مركز ابن خلدون
الرأي اليوم