الأسرة والدولة
المحامي د. أحمد محمد العثمان
01-11-2018 02:29 PM
تنص المادة (6/4) من الدستور الأردني على " الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن ، يحفظ القانون كيانها الشرعي ويقوي أواصرها وقيمها "
من قراءة هذا النص وصياغته نجد أنه نص إرشادي توجيهي يوجه المجتمع بكل مكوناته وفئاته الى أن الأسرة هي وحدة البناء الأساس في الدولة ، ويفهم منه بدلالة الإشارة أن الأسرة جزءً من الدولة وإن الدولة أكبر من الأسرة لأن الكل أكبر من الجزء ، وهذا يؤدي الى نتيجة مضمونها أن الدولة تختلف عن الأسرة من حيث التكوين والإدارة وأن كل واحدة منهما تدار بطريقة تختلف عن الأخرى ، فالأسرة بوسائل وأساليب تختلف عن وسائل وأساليب إدارة الدولة ، كما لا يقبل أن تدار الدولة بطريقة إدارة الأسرة .
بناءً على ما تقدم فإنه من غير المقبول أو المعقول أن يطلق على المملكة الأردنية الهاشمية صفة الأسرة الأردنية ، ولا يقبل بالنتيجة أن يخاطب وزير التربية طلبة المدارس بعبارة أبنائي الطلبة ، أو أن يخاطب رئيس الجامعة طلبة الجامعة بعبارة " أبنائي الطلبة " أو أن يخاطب الوزير موظفي الوزارة بعبارة " الأردنيين " أو أن يخاطب رئيس الوزراء المواطنين بعبارة " أبنائي المواطنين " ، لأن القانون الناظم للعلاقة بين الأب وأبنائه يختلف عن القانون الناظم للعلاقة بين كل أولئك والمخاطبين من قبلهم ، بل ليس من الفضيلة توجيه مثل هذه العبارات للمخاطبين بها وإن ظن البعض أن مثل هذه العبارات مقصودها التودد والتحبب ، لأن المطلوب هو إنفاذ حكم القانون الذي يخضع له المخاطبون والمخاطبون وإلا أدى ذلك الى غياب القانون أو تغييبه وهنا تكمن المأساة ، إذ يصبح الشخص غير قادر على التمييز بين الحالة التي ينبغي فيها تطبيق تشريعات الدولة والحالة التي ينبغي فيها تغييب قانون الدولة ليحل محله قانون الأسرة .
وللتدليل على صحة ما أقول فإني إستشهد بقوله تعالى إذ يقول في سورة الأحزاب " ما كان محمدٌ أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين " فقد أكد الله تعالى على صفة محمد صلى الله عليه وسلم بأنه رسول الله وخاتم النبيين " ، ونفى عنه صفة الأبوة للمؤمنين لئلا تختلط اي من الصفتين بالأخرى وفي هذا دلالة إشارية على عدم جواز إحلال صفة رسمية محل صفة عائلية .
لذا يتعين علينا أن نتمسك بصفة الدولة للمملكة الأردنية الهاشمية بعيداً عن اي صفة اخرى سواها ، وأن نتمسك بصفة المسؤول لمن يتولى إدارة الدولة وبصفة المواطن لكل من يحمل جنسية الدولة بعيداً عن أي صفة أخرى .
وإلا فإن الأمور ستختلط ، وسيؤدي ذلك الى إختلاط الحابل بالنابل وفي ذلك ما فيه من بؤس وشقاء وقانا الله تعالى منه وأبعده عنا دولة ومواطنين .