الاقتصاد الأردني والسياسات الضريبية
د. حسين البناء
01-11-2018 01:32 AM
الدولة، وعبر المراحل التاريخية لتَشَكّلها و تَغيُّر أدوارها، ظلت تقوم بجملة وظائف عامة تتسع و تضيق بناءً على التفاعلات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية. فقد تنحصر الأدوار في (الدولة الحارسة) كشكلٍ صارخ للرأسمالية، بحيث تكتفي بتقديم الجانب السيادي الذي لا تنازل عنه للإبقاء على مفهوم الدولة بمعناه التقليدي (كالجيش و القضاء و دوائر الحكومة المركزية) والتي يصعب على الشركات الخاصة إدارتها و المحافظة على وظيفتها الجمعية وغير الربحية فيها. وقد تتوسع أدوار و مؤسسات الدولة (الريعية) لتؤدي فيها الحكومة أدوارًا عريضة في جميع مناحي الحياة (كالصناعات المختلفة و خدمات التعليم و الصحة و المواصلات ...الخ) وبذلك تتقارب الهيئة مع الاشتراكية بمستوياتها المختلفة.
أدوار الدولة و حجم (الخدمات و السلع) المطلوب تقديمها للشعب من القطاع العام تتناسب طرديًا مع حجم الإنفاق، و بالتالي طرديًا مع حجم الإيرادات العامة، والاستثناء يقع فقط في حالة ربحية الاستثمارات العامة و الدور الإنتاجي للقطاع العام الذي سيساهم في دعم الإيرادات غير الضريبية للخزينة، أو الاعتماد على منح و هبات و قروض لتغطية الإنفاق و سد العجز في الموازنة العامة، ولكن القروض سيتم تسديدها من إيرادات بشكلٍ أو بآخر.
تقليديًا، ظلت الضرائب هي المورد الرئيسي للخزينة العامة، أكانت ضريبة دخل أو مبيعات أو قيمة مضافة، و تدعمها الإيرادات الأخرى مثل: الرسوم و الجمارك و التعرفة و الطوابع و الرخص و التراخيص ...الخ واستثنائيًا المنح و الهبات و الاقتراض و أرباح الشركات الحكومية.
فوائد الضريبة:
الضرائب مؤشر اقتصادي هام؛ ففي دالة الدخل القومي (وهي مؤشر النمو الاقتصادي الأهم) تُشكل النفقات العامة أحد خمسة مكونات في الدالة، جنبًا إلى جنب مع الاستهلاك و الاستثمار و صافي الصادرات بعد خصم المستوردات. مما يعني بأن تعزيز الإنفاق العام في الموازنة العامة يؤثر مباشرةً على مقياس النمو السنوي، و لهذا يخشى الكثيرون من التقشف في الإنفاق العام نظرًا لانعاكسه على النشاط و النمو الاقتصادي. من هنا ندرك أهمية الضرائب في النشاط الاقتصادي؛ فكل دولار تنفقه الحكومة سوف يدخل في الدورة الاقتصادية ليُحرك الطلب و يدعم مؤشر النمو. كما أن حجم الإنفاق الحكومي على (الخدمات العامة كمًا و نوعًا و على الرفاه المجتمعي) يتسق مع حجم الأعباء الضريبية على دافعيها.
هل الضريبة أداة أم غاية:
الضريبة ليست غاية بذاتها، حيث يُفترض بها أن تكون مجرد أداة جنبًا إلى جنب مع الأدوات الأخرى للدولة، مثل السياسة المالية و السياسة النقدية، و ينبغي أن يتم توظيف كافة الأدوات تلك في تحقيق النمو الاقتصادي و الرفاه الاجتماعي للشعوب. مما يعني براغماتيًا بأن حجم و شكل الضريبة هو مُوَجّه نحو (أهداف سياسية و اقتصادية و اجتماعية) و بالتالي فإن الضريبة يتوجب فيها تحقيق المرونة و الاستجابة بما يتلاءم مع المعطيات الظرفية العامة في الدولة كأداة فقط، لا غاية.
الأثر الضار للضريبة:
الضرائب تحمل معانيٍ كثيرة لكل طرف من أطراف المعادلة الاقتصادية؛ فالمواطن العادي (المستهلك النهائي) يرى (ضريبة الدخل) كاقتطاع من دخله القابل للإنفاق، مما يقلل ميوله للاستهلاك أو الاستثمار. و الشركات ترى (ضريبة المبيعات) تكلفة من شأنها رفع السعر مما يقلل الطلب، خاصةً في حالة صعوبة تحمل أغلب العبء الضريبي من طرف الشركة و ترحيله إلى المستهلك كزيادة سعرية، مع تجاهل حساسية بعض السلع للتغيُّر السعري و مدى تأثر الطلب بذلك.
كما أن الأحمال الضريبية من شأنها رفع كلفة الإنتاج و تكلفة مدخلاته من مواد خام، و رفع الأجور كذلك للعمال. وقد يسبب ذلك صعوبة التصدير نظرًا لتراجع التنافسية الذي يُعزى لارتفاع الكلف.
انعكاس مستوى الضريبة على الأداء:
في كثيرٍ من الدول لا يلمس المواطنون التوازن بين ما يدفعونه من ضرائب على مستوى الخدمات العامة التي تقدمها الحكومات! التفسير العملاني لهذه الظاهرة هو محصور ما بين (الفساد و سوء الإدارة و خدمة الدين) الذي من شأنه كبح تأثير مستويات الضرائب المرتفعة على الرفاه العام؛ حيث أن الفساد يضاعف تكلفة كل وحدة أداء عام (سلعة أو خدمة) وبالتالي فإن الإنفاق العام يذهب لجيوب المنتفعين من الفساد و لا يذهب للخدمات العامة. أما سوء الإدارة فإنه يقتل (الكفاءة الاقتصادية) حيث أن (نوعية و تخبط و تضارب) القرارات يقود إلى سوء توزيع الموارد و هدر النفقات و تسرّب المصاريف و عدم تحقيق الأهداف المتوقعة من الإنفاق، وبالتالي لا يلحظ دافعو الضرائب فرقًا في مستوى الأداء العام. أما خدمة الدين فهي قضية أخرى؛ حيث ينتهي الحال بالموازنة العامة لتتحول إلى خطة سداد عوضًا عن خطة أداء.
الإدارة المالية أم الاقتصادية:
الضريبة كأداة، يتم تحويلها لمعول هدم اقتصادي في حال توظيفها لغايات الجباية، ففي هذه الحالة يصبح الهدف هو زيادة الإيرادات العامة وبأي ثمن! حتى لو سبّب ذلك تفاقم مشكلة الركود الاقتصادي بسبب تراجع الطلب و ارتفاع الأسعار (التضخم)، عندها يتورط متخذ القرار الاقتصادي بخطيئة (قِصَر النظر المالي) حيث يتم حل مشكلة العجز المالي للموازنة العامة مؤقتًا على حساب الأهداف الاستراتيجية الكبرى للدولة (مثل تحفيز النمو و تشجيع الاستثمار و رفع الطلب العام و التنمية و الاستدامة) والتي لا يُحقّقها سوى (حسن الإدارة الاقتصادية فقط) والتي لا تنسجم مع ارتفاع الضرائب بطبيعة الحال.
خلاصة القول:
الطريقة الأمثل لتحقيق النمو الاقتصادي و استدامة التنمية هي في تشجيع الاستثمار و خلق الظروف الموضوعية لذلك، وأهمها الحوافز و الإعفاءات الضريبية، و إجراءات عملانية، من شأنها إقناع (رجل الأعمال) بأنه سيتحصل على مكاسب أكبر إذا استثمر في هذا المكان مقارنةً بغيره في هذا العالم الصغير و المفتوح أمام الجميع.
الأهم من ذلك، هو توطين الوظائف و بناء القدرات المحلية، على أمل أن يُشكّل الاقتصاد الوطني لاحقًا بيئة جاذبة و محفزة للنجاحات، وهذا يتم واقعيًا عبر الاستثمار بالتدريب لليد العاملة، و تشكيل الظروف لنجاح المشاريع الريادية الصغيرة كمُحفّز رئيسي للتنمية و الابتكار.