لاشك لدي أن جلالة الملك يسبق حكومته في إستشراف المستقبل بما يزيد عن ربع قرن على الأقل ، فكل مرة يطل علينا فيها جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين بروائع فكرية من بنيات أفكاره تجعلني أقف مذهولا بهذا القدر من الحكمة والوعي الحكيم من القيادة الهاشمية وكيف لها أن تسبق الواقع وتشخص المرض وتصف الدواء بما يعالج الإختلالات ويضع القطار على السكة مجدداً .
الملك عبدالله الثاني لا يترك شاردة أو واردة إلا ويتابعها وهو اليوم يطل علينا بمقال جيد حول وسائل التواصل الإجتماعي وحالة التناحر التي أشبه ما أن أصبحت ظاهرة تطفو إلى السطح جراء سلوكيات مجتمعية خاطئة في التعامل مع وسائل التواصل الإجتماعي وهي ظاهرة ليست أردنياً فقط ، ولكنها بأتت تغزو دول العالم أجمع لما لها من خطورة في إحلال سلوكيات مغلوطة مكان القيم والأخلاقيات التي نشأت عليها المجتمعات ، إلا أنه وبرأيي المتواضع فأن التعطش للحقيقة وبحث المواطنين عن أي معلومة خاصة في ظل غياب الشفافية الحكومية والتلويح بأسم القانون كأداة للعقاب لمن ينتقد أو يطرح حتى التساؤلات هو جزء من السبب وهو ذاته ما يجعل حتى من يمارس مهنة الإعلام والصحافة يقع بين سندان هذا القانون وخشية الوقوع في فخ التوقيف تحت بند المادة (11) من قانون الجرائم الإلكترونية ليقف بعضهم عاجزاً عن طرح المعلومة وأن كانت لديه الحقيقة ليجنب نفسه المسألة ، وهو ما يدفع البعض لتصديق إشاعات ينتجها سماسرة الأوطان والتي تدخلنا في بحر متلاطم الأمواج من التناحر والإختلافات والإشاعات التي طالت عواقبها شواطىء الصدق والمعرفة والخبرة الفنية من جهة وخطوطاً حمراء في دولتنا الأردنية ومؤسسة العرش وأجهزته الأمنية من جهة أخرى ، لأبل تعدى الأمر بالبعض إلى إيهام أنفسهم بأنهم من المؤثرين وأصحاب الكلمة الحقة ليقوموا في كل يوم بنشر إشاعات جديدة او تناقل سموم أعداء الوطن والتي بأتت أجندتها واضحة بأنها لا تخلو من رائحة الفتنة وخلق الفوضى وترويج الفساد وهدم الإنجاز وإغتيال الشخصية ناهيكم عن العديد من هذه المثالب التي باتت تؤرقنا جميعاً .
لن أتحدث عن هؤلاء فهم مكشوفين للجميع في الأردن وجلهم يعلم في صيرورة نفسه أنه مهما فعل أو حصد من متابعة فأن الأردنيين لن يغفلوا في يوم من الأيام ماضيه أو سلوكه الوطني ، حتى لا يسمحوا له ببث سمومه بينهم ، إلا أن تعمد الحكومات في سلوكها مع الإعلام وعدم الشفافية في طرح المعلومة وسط وهم الإشاعات والإنغلاق على فئة محددة دون غيرها وسط أنموذج جديد قديم عاد الينا في تسريب الاخبار الهامة الى فئة دون أخرى هو من يصنع من أمثال هؤلاء أبطالاً من كرتون لتتكشف عيوبهم في أول موقف يحتاجه الوطن فيهم أو كما يقال أردنيا "وقت الفزعة وهبة النشامى" لتراهم منغلقين ومراقبين بصمت لا يجيدون حتى فن المواجهة ضد من يحاول إغتيال الوطن وإنجازاته .
ولكن ضعف الأداء وسوء إدارة الأزمات الوطنية وتقمم الحكومات على نفسها وسط إصرار البعض من مسؤوليها على مواجهة النقد البناء بالعقاب على أنه إغتيال للشخصية وحصر المعلومات وتغييب الشفافية عن نهج العمل هو دافع هذا النتاج السلبي من التعطش للحقيقة في ظل غياب المعلومة الحقة ونمو وهم الإشاعات وهو ذاته ما يدفع ببعض المواطنين إلى النقد الدائم والعيش بالإحباط وعدم التفاؤل وجلد الذات لفقدان الثقة ليس بالحكومة فقط لابل حتى بمن أنتخبوهم .
نعم فقدان الثقة والإرتهان لقرارات لا تأخذ من الصالح العام إلا عنواناً عريضاً وسط إستمرار لمسلسل التنفيعات وغياب العدالة الإجتماعية هو دافع البعض إلى رفع سقف النقد لابل والتطأؤل وتصديق الإشاعات وترويجها على أنها مسلمات لا شك فيها ليكون الوطن هو الخاسر وهذا ما أخشاه .
مقال ملكي هام لا يقل أهمية عن أوراق نقاشية رسمت للأردن وشعبه وحكوماته خارطة الطريق لابد من التمعن فيه وبما يحمله من أفكار سامية يستحق منا اليوم وقفة قراءة جادة رسمياً وشعبياً والإستدالال على مواضع الخلل والصواب لعلها تصنع التغيير في النهج والأداء وتعيدنا إلى الطريق الصحيح بإعتباره خارطة طريق سلوكية عبر منصات التواصل الإجتماعي ، لنعلي جميعاً صوت الحوار وتقبل الأخر ولنجعل من هذه المنصات التفاعلية أداة الحوار العقلاني والمعمق المعزز بالشفافية نحو المواطنة الصالحة وإعلا مصالح الوطن أمام أي أجندة أخرى ليبقى الأردن صخرة صلبة تتحطم عليها التحديات والمعوقات بحكمة قيادته الهاشمية ووعي أبناءه المخلصين لنرسو جميعاً في سفينته على شط الأمان ليبقى واحة أمن وإستقرار في ظل معزز النهضة وصانع أمجاده الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه.