لقد مني العرب بهزيمة منكرة في حرب حزيران 1967 ، وكانت الهزيمة مرة على الاردنيين خاصة ، فقد خاض الاردن المعركة في ظل التفوق العسكري الاسرائيلي في العدة والعددوالعتاد وسيطرة سلاح الجو الاسرائيلي التامة على الاجواء واتساع الجبهة الاردنية حيث كانت تمتد على طول 300 ميل وعدم امكانية تغطية الجبهة بالقوات المسلحة ، والاخطاء والاوامر المرتجلة والمتضاربة لقائد الجبهة الاردنية الفريق عبد المنعم رياض ؛ مما ادى الى ارباك القوات الاردنية وتعرضها للقصف المباشر من سلاح الجو الاسرائيلي خاصة بقنابل النابالم المحرقة الممنوعة دوليا ، وقد كانت خسائر قواتنا خاصة في قاطع جنين اكثر مما تحتمل ، فقد تعرضت قطعات من جيشنا للابادة من قبل سلاح الجو الاسرائيلي الذي سيطر على الاجواء ، بعد كارثة تدمير جميع السلاح الجوي المصري ، وتدميرالطائرات الاردنية التي اثبتت فاعلية قتالية عالية وقصفت مطارات العدو ومدنه الهامة ، الا ان تدمير مدارج الطيران في عمان والمفرق افسح المجال لتدمير باقي الطائرات وهي على ارض المطار ، حتى ان الشهيد الطيار فراس العجلوني ضرب مثلا رائعا في التضحية وروحا قتالية عالية ، فقد اغار على مطارات ومدان العدو عدة مرات ، وقاتل طيران العدو واسقط مع زملائه العديد منها ، الا انه لم يتمن من الاقلاع في احدى المهمات حيث قصفته طائرات العدو وهو على مدرج المطار في قاعدة المفرق الجوية . كما كان من اسباب الهزيمة التفوق الفني والتقني والاسلحة والتدريب ، وكان الحرس الوطني وافراد التجنيد الاجباري يشكلون اكثر من نصف جيشنا حيث تنقصهم الخبرة ويعوزهم التدريب والاحتراف .
وقد كانت الحرب على شكل ( فزعة ) من قبل الاشقاء في مصر وسورية ( عليهم ... عليهم ) دون استعداد . وفي الوقت الذي زج به الجيش الاردني في اتون المعركة ؛ كانت جيوش باقي العرب تنتظر ، وتتلكأ في تنفيذ الاوامر، فنقلت اسرائيل اربعة الوية من قبالة الجبهة السورية الى الجبهة الاردنية ؛ حيث كانت قوات العدو تواجه قتالا عنيفا ودفاعا مستميتا من قبل القوات الاردنية ، اي ان اسرائيل رمت بثقلها العسكري على الجبهة الاردنية ، ثم عادت بعد تحقيق اهدافها لاحتلال الجولان ، وكان نصف جيش مصر يحارب في اليمن وهو 70 الف جندي مصري دون مبرر .
اما جمال عبد الناصر فقد حاول تسيس المعركة الا ان ذلك لم ينطلي على الرئيس جونسون عام 1967والمؤيد الرئيس لاسرائيل ، بينما انطلت محاولات عبد الناصر السياسية على الرئيس ايزنهاور عام 1956 ابان الدوان الثلاثي فقد كان الرئيس عبد الناصريعتقد عام 1967 ان الحرب الشاملة لن تقع ، وقد اعترف كل من محمود رياض وزير خارجية مصر اثناء الحرب وصلاح نصر رئيس المخابرات ، ان النظام يتحمل مسؤولية الهزيمة ، وقال هيكل ان عبد الناصر " مشى الى الفخ بقدميه " وقد اعترف عبد الناصر بخطأه واعلن مسؤوليته واعلن تنحيه عن الحكم الا ان الجماهير طالبت بعودته ال سدة الحكم ، في حين اثنى على شاعة الملك الحسين وجيشه وشعبه .
لقد خاض الجيش الاردني المعركة التي يسميها الاعداء " معركة الاردن " فالاردن هو الوحيد الذي كان يحارب بجدية واقتدار وقد لقن العدو دروسا في فن الملاقاة والمواجهة ، مما تسبب في انهاك قواتنا المسلحة الاردنية التي تحملت عبء المعركة ، وقد اعترف الرئيس عبد الناصر بشجاعة الجندي الاردني وحربه في ظل التفوق البري والجوي الاسرائيلي . فقد خاض الاردن الحرب الى يوم 7 حزيران عندما اعلن عبد المنعم رياض الانسحاب الشامل للقوات العربية ومن ضمنها الجيش الاردني .
وبعد انسحاب قواتنا الباقية بعد الحرب نشرت وحداتها الباقية على طول الجبهة ، وخاصة الالوية الستة التي كانت تحتفظ بمعظم قوتها وهي ؛ لواء الحسين ولواء الحرس الملكي ولواء القادسية ولواء حطين واللواء المدرع 60 ، بينما احتاجت الالوية الاخرى اكثر من شهر لاعادة تنظيم صفوفها . كما وصلت الى الاردن اربعة الوية عراقية بعد الحرب بثلاثة ايام ، كانت تضم 15 الف جندي تشكل " قوات صلاح " التي تم نشرها داخل البلاد وعلى الحدود .
كما استعان الاردن بعد الحرب ببعثة عسكرية باكستانية برئاسة اللواء محمد ضياء الحق الذي اصبح رئيسا لباكستان فيما بعد ، وقد ساعد العسكريون الباكستانيون باعادة تنظيم القوات الاردنية المسلحة . فقد اعاد الاردن تنظيم قواته في فرقتين هما فرقة المشاة الاولى بقيادة العميد مشهور حديثة الجازي والحق بها اللواء المدرع 60 وفرقة المشاة الثانية بقيادة العميد عاطف المجالية والحق بها اللواء المدرع 40 . والغي منصب القائد العام واستعيض عنه بمنصب رئيس هيئة الاركان وعين الفريق حابس المجالي وزيرا للدفاع وعين اللواء ناصر بن جميل مستشارا عسكريا للملك الحسين . وكان اللواء المدرع 60 قد فقد معظم دباباته في الحرب عدا 40 دبابة اما اللواء المدرع 40 فلم يبق منه الا 8 دبابات بعد الحرب .
وقد قامت العراق باهداء الاردن بعض الدبابات والمدافع . وقامت السعودية بتمويل ثمن صفقة من الاسلحة لتعويض قواتنا على الاسلحة التي خسرتها في حرب حزيران ، ففي عام 1969 تسلم الاردن 300 دبابة و18 طائرة من طراز F104 و 24 طائرة هوكر هنتر ، واكتمل تعداد الجيش عام 1970 بـ 65 الف جندي ، حيث تم تشكيل فرقتين مدرعتين اضافة لفرقتي المشاة هما فرقة المدرعات الثالثة وفرقة المدرعات الرابعة الالية .
وقام الاردن بعملية تبادل الاسرى باشراف منظمة الصليب الاحمر الدولية مع العدو في 27 حزيران 1967 ؛ فقد سلم الاردن لاسرائيل طيارين اسرائيليين وتسلم الاردن 442 اسيرا فيما بقي 25 اسير يتلقون العلاج في المستشفيات الاسرائيلية .
وقد تعرض الاردن لسيل من النازحين الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة ؛ ابتداء من يوم 7 حزيران ، فقد اعلن العدو تهديده للسكان وطلب منهم المغادرة حفاظا على حياتهم ، وخاصة من مخيمات عقبة جبر وعين السلطان والعوجا والاغوار ، فقد كان مخيم عقبة جبر يضم 70 الف لاجيء من عام 1948 ، وقد وصل الى الاردن حتى يوم 19 حزيران قرابة 100 الف نسمة ، وحاولت اسرائيل نقل سكان غزة وخاصة مخيم الشاطئ الذي يضم 70 الفا الى الاردن .
وقد تعرض سكان فلسطين للنزوح بالقوة من قبل العدو خاصة من القرى الامامية في جنين وطولكرم وقلقيلية والخليل . الى ان وصل عدد النازحين حسب احصاء عام 1968 الى 354 الف نسمة بينهم 38 من سكان قطاع غزة ، وصل الى الاردن منهم 150 الف من سكان الضفة الغربية حتى نهاية شهر حزيران . وقد قامت اسرائيل بعد ثلاثة ايام من انتهاء الحرب بتهجير السكان وتدمير قرى كاملة اهما خمس قرى هي ؛ يالو وزيتا وبيت نوبا وعمواس وبيت عور ، فقد ازالت هذه القرى من الوجود ، كما دمر العدو اجزاء من قلقيلية وصوريف وفي 27 حزيران اعلنت ضم القدس نهائيا الى اسرائيل .
وقد شجع الرئيس جمال عبد الناصر الملك الحسين لاستعادة الضفة الغربية بالطرق الدبلوماسية ، فنشط الملك يزور الامم المتحدة ودول العالم المؤثرة ، وقابل الرئيس جونسون الا ان جونسون طلب من الملك اجراء محادثات مباشرة مع اسرائيل حيث لم يوافق الحسين .
والتقى الزعماء العرب في مؤتمر القمة العربية الرابع الذي عقد في الخرطوم من 29 اب الى 1 ايلول 1968 ، شارك فيه 13 رئيس دولة وزعيم عربي ، فيما لم تحضره سورية ، والجزائر، والمغرب ، وليبيا ، وتونس ، والامين العام لجامعة الدول العربية ، فيما انسحب احمد الشقيري رئيس منظمة التحرير الفلسطينية من المؤتمر . وقد اعلنت في المؤتمر اللاءات الثلاثة ؛ لاصلح مع اسرائيل ، ولا اعتراف باسرائيل ، ولا تفاوض مع اسرائيل . وقررت ثلاث دول عربية تقديم مبالغ مالية لازالة اثار العدوان هي ؛ السعودية 50 مليون جنيه ، والكويت 55 مليون ، وليبيا 30 مليون جنيه استرليني . وقد كانت حصة مصر 95 مليون جنيه ، وحصة الاردن 40 مليون جنيه ، وقد تصالحت مصر مع السعودية في المؤتمر وتعهدت بسحب قواتها من اليمن .
وبعد مؤتمر الخرطوم واصل الحسين مساعيه لشرح وجهة النظر العربية ، ولتامين انسحاب اسرائيلي من الاراضي المحتلة . الى ان تقدم اللورد كاردون ممثل بريطانيا في مجلس الامن بمشروع قرار 242 ، ووافق عليه المجلس في 22 تشرين الثاني 1967 وقد قبل الاردن ومصر القرار بعد ان اخذا تعهدا من الولايات المتحدة بتطبيقه خلال ستة اشهر .
اما في الاردن ؛ فقد كانت الحكومة الاردنية قد طبقت تعليمات الادارية العرفية ابتداء من 5 حزيران 1967 ؛ فقد عين رئيس الوزراء سعد جمعة انذاك حاكما عسكريا عاما في المملكة ، وعين وزير الداخليه معاونا له . ثم جاءت حكومة بهجت التلهوني في 7 تشرين الاول 1967 واستمرت الى اذار 1969 .
وقد ابقت اسرائيل الجبهة الاردنية ملتهبة بعد الحرب مباشرة باعتداءاتها المتكررة على الاردن برا وجوا ، فقد استمرت رماية الرشاشات وقصف المدفعية يوميا للمواقع العسكرية وللسكان المدنيين ، وقد شملت الاعتداءات كافة الجبهة والقرى الامامية والمخيمات ؛ وخاصة مخيم غور نمرين وقرية الكريمة وقرية معدي ومخيم النازحين في الكرامة والشونة الجنوبية والمشارع وداميا وجسر الملك الحسين وقصفت مرتفعات السلط وعجلون واربد بواسطة الطيران الحربي . وقد قامت حرب استنزاف واختبار لقوة الطرفين استمرت الى اواخر عام 1967 وطوال عام 1968 ، واستمر العدو بحشد قواته على طول الجبهة خاصة اللواء السابع المدرع الاسرائيلي ، ولواء المظليين 35 ، ولواء الدروع 60 ، ولواء المشاة 80 ، وخمس كتائب مدفعية ميدان عيار 105 ملم ، وطائرات حربية ميراج وهيلوكبتر، واصبح الموقف متوترا على طول الجبهة ، وقواتنا ومدفعيتنا ترد على العدوان في حرب الاستنزاف التي كانت تهدف لشل حركة قواتنا ، وتدميراقتصادنا في الاغوار، وللتمهيد لاحتلال المرتفعات الغربية من الاردن لتهديد العاصمة عمان .
وقد وضع الاردن خلال هذه الحرب امكاناته تحت تصرف منظمة التحريرالفلسطينية ، وكانت عمليات المقاومة تتم تحت ساتر من القصف المدفعي الاردني ، وبدعم من قطعاتنا المسلحة ، والتمهيد لعمليات العبور ، وتغطية الانسحاب للمقاتلين الفلسطينيين على طول الجبهة ، وتقديم الاسلحة والذخائر للفدائئين في عملياتهم ، حتى ان الملك الحسين اعلن الى العالم : " اننا كلنا فدائيون " وسهل الاردن للشعب التجنيد في صفوف المنظمة ؛ حتى ان الاردن اعفى من ينتمي للمنظمات من التجنيد الاجباري .
وقد ضاقت اسرائيل ذرعا بالاردن فوجه ليفي اشكول رئيس وزراء العدو انذارا للاردن قائلا : " ان لصبر اسرائيل حدا ، وان دماء جنوده ومواطنيه لن تذهب هدرا " . وقد هاجمت اسرائيل القرى الاردنية بوحشية ، وكان ذلك مقدمة لعدوان شامل نفذته اسرائيل في اذار 1968 في الكرامة والتي ستكون موضوع حلقتنا القادمة ان شاء الله .