حربٌ ثقافيةٌ تدَور في الأردن بين جيل قادم بقوة ودهشة، وأجيال ترفض أن تتزحزح، جيل يريد الخروج من جلباب النمطية، مقابل أخر مازال يرتدي أفكار الكلاسيكية، جيل يتقدم بخطى ثابته، مقابل أخر يرى إدارة الدولة وفق فكر " فزعوي " ريعي، جيل يريد دولة إنتاج ، مقابل أخر يرى الضمان والبقاء لا يكون إلا بالإرتهان !
حرب مجهدةٌ حاضراً مكلفة لاحقاً، اسلحتها فتاكة، تختلف جَذرياً عن تلك التي تملكها الحُكومات، فأما أن تُستثمر لصالحِ الدولة بإحتوائها، وأما توجه لدمارها في حال انفلاتها !
فالكم المهول من الأنتقادات والسلبية الحكومية لوسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي التي تدعو إلى العقاب بدلاً عن الإستثمار والإحتواء، والمنع بدلاً من التطوير، صورة تتطابق في دقتها مع أسلوب رئيس الولايات لمتحدة الامريكة دونالد ترامب، ثمة دراسات اميريكة تقول أن تصريحات ترامب أسهمت في زيادة منسوب العنف وعملت على انتشار خطاب الكراهية، أي أن الخطاب الحكومي ورماديته هي من تصنع الإشاعات، وهي من ترفع منسوب الصراعات، وهي تمهد الطريق للإشاعات، كوسيلة للإختباء خلف الأكاذيب، لإنتاج ما تراه الحكومة حقيقية وسد منيع يحول دون الكشف عن وجهها وتشوهات افعالها !
اليوم ثمة فكر مضاد مناهض - شعبوي ويميني أقرب للتطرف - للفعل الحكومي الذي يعتقد أن دعواته تقود إلى تنظيم المجتمع، يقول الألماني ماكس بورن :” إن الإعتقاد بوجود حقيقية وحيدة وأنك أنت من يمتلكها هو في نظري السبب الأكثر تجذراً لكل ما هو شرير في العالم” النظرة هذه، تخلقُ جيلاً يبحثُ عن الأسئلة والأجوبة وفق مصالحها و رؤيتها، يؤمن أن الحقيقية من صناعة الشعوب الخيرة لا الفرد الشرير.
الفعل هنا لا يختلف فيه رئيس الوزراء بإعتباره عنصر جذب فاعل يراه المجتمع متنوراً ومثقفاً وواعياً وعقل يُعتمد عليه، لكنه خاضع لمحددات الجسد المحيط الرافض للتطوير ، جسد تجمد عند حدود المعرفة المحدودة في ردوده و تصريحاته وتبريراته لمنحدرات التقصير والفشل، جسد متقوقع ويأكل ذاته خوفاً من مواكبة مسارات العالم، وأسئلته المصيرية والمحرجة، لإصراره على الإستقرار في قلب تجارب تتوافق وتتناسب عقليات الرفض والشطب، نفعت لزمن لكنها لا تنفع لإزمان. فاقتلاع الجذور، ورمي المشاكل على الأخر أو الظروف أو الطبيعة لإيجاد المبررات لتنظيف ساحاته التي تضيق كلما أعتمد ذات الأساليب البالية في طرح الحلول ومعالجة المشاكل.
إذن، لماذا لا نعترف بوجود إتجاه في الدولة الأردنية يعمل على زيادة منسوب العنف بكافة مستواياته الثقافي والسياسي والاقتصادي و الإجتماعي ؟ إتجاه يعرض الدولة للعنف الإضطراب والفوضى، يرى للإصلاح من زوايا نمطية تناسب مجاهل العصور الوسطى، مع رفض الإصلاح المتأتي والصاعد من متطلبات الواقع الذي ترتب على ابعاث العقول الواعية للإجيال الجديدة.
وعليه، أليست الحكومة بأفعالها تعمل جاهدة على تأسيس( جنازة حلم ) تُبدع وتَبتدع فيها فنوناً من الَطمِ والبُكائيات، لتسهل عملها في رسم الحاضر والمستقبل بما يخدم رؤيتها المسيطرة الإقصائية، وهنا مكمن الخطر إذ يسهم في خلق اتجاه يميني متطرف يرفض الجميع، ويكره الجميع !
Kayasrh@gmail.com