رحلة الموت إلى البحر الميّت
د. محمود عبابنة
30-10-2018 11:41 AM
الحادثة المأساوية التي أودت بحياة واحدٍ و عشرين طالباً اردنياً و إصابة خمسة و ثلاثين آخرين ،هي كارثة وطنيّة أثارت وتثير الألم والحزن لدى الأردنيين بشكل عام و لعائلات الضحايا بشكل خاص ، نظراً لحجم الخسارة الفادحة و بنفس المقدار فقد أثار الحادث الغضب و الاستنكار الشّعبي للتّقصير الذي توزّع و طال أكثر من جهة ، و كلّ منها تتبرّأ منه ، إلا أنّ الحادثة تستدعي التّوقف عند بعض النقاط و طرح بعض الاسئلة :
1- كيف تجرؤ مدرسة على تغيير مسار الرحلة من منطقة الأزرق إلى العين الزرقاء في منطقة البحر الميت ؟ هذا يستدعي النظر في مدى التزام المدارس الخاصة بتعليمات وزارة التربية و دائرة التعليم الخاص التي تتعرض منذ زمن للنقد على تراخيها في فرملة فرعنة المدارس الخاصة و زيادة الرسوم ، و الزام الطلبة بمبالغ و نشاطات غير مجانية لا تخدم في اغلبها الا موازنة المدرسة .
2- من هو المسؤول عن رعاية و / أو حراسة و / أو السيطرة على المناطق المحاذية للبحر الميت و التي تتعرض للانهدام و التحلل ، و كيف تم السماح لحافلة الرحلة المدرسية من الاقتراب من حدود منطقة الخطر ، و لا سيّما ان دائرة الارصاد الجوية و على مدى يومين -قبل موعد انطلاق الرحلة - تحذر من الامطار الرعدية و الابتعاد عن مجرى السيول و الاودية ، فهل كان على وزارة التربية ان تصدر امراً بوقف الرحلات منذ افصاح دائرة الارصاد ، أم ان هذا الامر كان يجب اتباعه من قبل المدرسة ، ام ان المسؤول الاول هم المعلمون المرافقون و موظفي مكتب سياحة المغامرة الذين تبيّن انهم لا يملكون مَلَكَةَ تقديرِ الوضع على أرض الواقع.
3- من الذي ساعد في إضفاء الغموض على الفاجعة ، و انفلات ادارة الازمة التي سجلنا فيها فشلا ذريعا ، و قد خلق ذلك حالة من الغضب نتيجة التضارب في سرد الرّواية الحقيقيّة ، و كلّ هذا أفضى إلى تحليلات مختلفة ، و ضاعت الطّاسة عن تحديد سبب وقوع الفاجعة ، هل هو تسّرّب ماء السّدّ أم وقوع الجسر أم السّيول الطّبيعية ، أم مخالفة المدرسة الخاصّة لتعليمات الرحلات ، أم مغامرة مكتب سياحة المغامرات ؟ و إذا تمّ تحديد السبب فمن هي الوزارة المسؤولة ، الأشغال العامّة أم وزارة التّربية ، أم السّياحة ، أم البلديّات ، و مسؤولية اي جهة من هذه الجهات هي مسؤولية سياسية .
4- على اثر الحادثة المأساويّة و الخسارة الفادحة ، كان من الواجب ان تتوجه الانظار لادارة الازمة - و ليس لتفرغ المؤسسات و الوزارات في ايجاد التبريرات و تبرئة الذات - و بيان الخطط المستقبلية و الاجراءات المتوجب اتخاذها لمنع تكرار مثل هذه الحوادث المفجعة .
5- أما عن المسؤولية الجنائية فنعتقد انه لا يجوز لاي احد الخوض فيها ما دام ان النيابة العامة قد وضعت يدها على التحقيقات ، و نحن مع قرار النيابة العامة بحظر النشر عن التحقيقات ذات الطابع القضائي فقط ، اما الحديث عن الكارثة الوطنية و عن الظروف التي احاطت برحلة الموت فهذا حق طبيعي للراي العام و لا يجوز تقييده او التعرض له ، لاننا بحاجة لأخذ العبر و الدروس ، على ان لا تُستَغَلّ هذه الكارثة لتوجيه الاتهام للجهات الحكومية قبل بيان الحقيقة، فالكوارث الطبيعية تقع كل يوم في انحاء متفرقة في العالم بما فيه العالم المتقدم، و الاخطاء قد تكون اكبر و الخسائر افدح ، فمن تصادم القطارات في الهند ، و مصر ، إلى انهيار جسر جنوا في ايطاليا ، الى انفجار المفاعل النووي في اليابان لكن المهم ان نحدد المسؤوليات و تتم المحاسبة، و تجذير ثقافة ادارة الازمات لدى المؤسسات.
كثيرون يُعوّلون على رئيس الوزراء الذي يحاول جادّاً ترسيخ مبدأ الشفافية و عدم مجاملة المسؤول حتى لو كان وزيراً صديقاً .
و يقترح الكثيرون على الرّئيس أن يوعز لوزرائه بعدم التّصريح عن ظروف و مسبّبات الحادث ،فقد تضاربت أقوال الوزراء المحترمين بتناول سرد الرّواية ، و كلّ منهم يحاول تبرئة ساحته ، و كان من الأفضل ترك المجال لإعطاء الكلمة الفصل في تحديد المسؤوليات لحين انتهاء التّحقيق القضائي المستقل و على ضوء التقارير الفنية للجان سواء كانت لجان برلمانية او لجان السلطة التنفيذية و هذه الأخيرة يجب التعامل معها بحذر على ضوء ثقافة المؤسسات البارعة بتبرئة نفسها عن اي تقاعس او اخطاء ، تقع تحت مظلة صلاحياتها و واجباتها.