الحادث الأليم .. بين المغامرة والمقامرة
د. عديل الشرمان
29-10-2018 12:00 PM
فرق كبير بين خوض المغامرات وخوض المقامرات، المغامرون هم من يذهبون الى تقدير الموقف بالاستناد الى المعلومات التي يجب ان تتوفر لديهم، لا يكابرون في تحليلها، ولا يراهنون في تفسيرها، ولا يتركون مجالا للكثير من الصدف الخطرة الضارة، ولا تهزمهم الا اقدار غيبية خارجة عن ارادتهم ولم تكن لتدخل تلك الاقدار في حساباتهم ابدا, يستفيدون من المعطيات ومن التجارب التي مرّوا بها هم وغيرهم، أما المقامرون فهم الذين يتصرفون على نحو غير عقلاني دون حساب للنتائج، ويستندون الى اوهام وتوقعات لا اساس لها، وكأنهم أي المغامرون والمقامرون يقفون على طرفي نقيض, هؤلاء يحسبون النتائج , واولئك لا يحسبونها وفي الاوهام غارقون.
لماذا لم يصبح بعد «تقدير الموقف» اسلوبا ونهجاً راسخا يتم الاعتماد عليه كنقطة انطلاق وقاعدة يبنى عليها التنبؤ بالمستقبل، واتخاذ القرارات، تقدير الموقف الذي يعتمد على جمع المعلومات الكافية، وتحليل الارقام, باستخدام التفكير الابداعي الذي يجعل البيانات حيوية ناطقة كي تساعدنا في اتخاذ القرار الصائب، وهل ما زلنا نحتكم الى الارتجالية والتسرع في الوقت الذي بات فيه المنهج العلمي، والالمام بالبيئة المحيطة ودراستها الاساس لكل عمل ناجح، وموقف صحيح.
كيف نصنف تلك الحادثة الاليمة، وفي اي خانة نضعها، وهل بوسعنا الاجابة بموضوعية على كثير من الاسئلة التي فرضتها :
الم تنبئ الغيوم المتراكمة بما تحمله الظروف الجوية من مخاطر؟
الم تحرك فيهم الرياح القوية ساكنا سكن على العقل والفكر وعطل قدراته؟
الم يخبر هدوء المكان وسكونه وجماله عن شدة غدره?
الم تعمق دائرة الارصاد الجوية لديهم الاحساس بأن الموقف بات صعبا، الم ترصد لهم حالة الطرق والجو، وتوحي
اليهم بأن من الحكمة تغليب العقل على العاطفة؟
لماذا لم تغلب حسابات العقل حسابات العاطفة، وهل اصبح جلب المصالح والمنافع المادية اولى من درء المفاسد؟
هل كنا نخوض مغامرات محسوبة النتائج، أم أننا كنّا نقامر ونلعب لعبة الموت والحياة، ونترك للحظ أن يرسم لنا طريقنا، ونهاياتنا؟
الم توقفهم احدى دوريات الشرطة لتحذرهم من خطورة الجو, وقساوة الطبيعة، ربما فعلوا، وان لم يفعلوا، ليتهم فعلوا، لأن هذا من ابسط واجباتهم الشرطية والانسانية والوقائية، منع الجريمة قبل وقوعها?
هل ما زلنا نفهم على نحو خاطئ مقولة ( الحذر لا ينجي من القدر)، ولماذا لم نأخذ بالأسباب؟
هل كانت المغامرات التي خططوا لخوضها تتناسب مع اعمار الطلبة وقدراتهم الجسدية؟
كيف اطمأن اهالي الطلبة الى الظروف الجوية من حولهم، وكيف اتخذوا القرار بمشاركة ابنائهم، وهل كانت حساباتهم مبنية على العقل ام العاطفة؟
الم تؤشر الحادثة الى تقصير هنا وتقصير هناك، ونقص في اتخاذ الإجراءات الوقائية?
هل تكشف الحادثة عن حلقة اخرى او شكل آخر من أشكال الفساد الخفي ?
اسئلة اخرى كثيرة ربما تتوصل هيئة التحقيق الى اجابات بشأنها.
وقعت الحادثة، وليس لوقعتها كاذبة, وفي الوقت الذي خيم فيه الحزن والظلام، وسادت الاجواء الضبابية، انغمست وسائل الاعلام المحلية في متابعة مجريات الامور, وخصصت لها مساحات مكانية وزمانية كبيرة، حيث راحت تنقل الاخبار وتجري اللقاءات، لتجد نفسها كما هو الحال في كل مرة مرغمة على تعبئة هذه المساحات في كلام مكرر ومعاد، حيث الحديث عن اجراءات الاجهزة المعنية وما تقوم به من ادوار وواجبات في التعامل مع الحدث، وتعظيم وتمجيد هذه الادوار, والتي تأتي في اطار الواجبات المعتادة والتي تقوم بها كل الاجهزة في كل دول العالم في مثل هذه الظروف، ولم تكن جهود الأجهزة المعنية جهوداً استثنائية ولا خارقة للعادة، غير انه من باب الإنصاف القول بأنها كانت جهوداً سريعة، ومتواصلة، ومنظمة، ومغلفة بمعنويات وهمم عالية، وهي سمة الأردنيين عندما يواجهون أمراً أو مصاباً جلل.
ظهر واضحاً أن وسائل الإعلام لم تكن تمتلك الخطط والاستراتيجيات للتعامل مع مثل هذه الأزمات إعلامياً، فهي لم تخرج علينا بمختصّين ومحللين في الإدارة والإعلام يمتلكون القدرة والخبرة في الحديث عن تقدير الموقف، وكيفية التعامل مع الأزمات وإدارتها إعلامياً، ولم تكن تمتلك المهارات الكافية والمعرفة في تقديم مضامين إعلامية معمّقة تتجاوز دورها في نقل أخبار ما يجري، والتعامل مع النتائج بنظرة تحليلية، وتوضيح ما يتم من إجراءات إلى تقديم رسالة إعلامية موضوعية وغنية وناضجة وعقلانية تستفيد مما يجري ويحدث من أخطار لتقديم مقترحات لتصور مستقبلي يشكل قاعدة خصبة لوضع الإستراتيجيات وبناء الخطط التي يجب أن تكون جاهزة مسبقاً للتعامل مع أزمات وأحداث مشابهة.
الإعلام في الأزمات يحتاج إلى مهارات وفن في إدارة الأزمة إعلامياً، وهو من اختصاص علم الإدارة بالمقام الأول، والإعلام ثانياً، كما أننا نحتاج إلى إعلام أزمات، وهو من اختصاص علم الإعلام بالمقام الأول، وعلم النفس والاجتماع ثانياً، بمعنى الرسالة الإعلامية في مثل هذه الظروف هي نتاج فكر من المختصين في الإعلام والإدارة، وعلم النفس والاجتماع، وليست جهود ارتجالية تسير على نحو روتيني اعتادت عليه الكثير من وسائل إعلامنا المحلية وهي تقوم في تعبئة مساحاتها وذلك بهدف رفع العتب، وإثبات الذات، وتقديم الدليل والحجة على الحضور.
يكتسب الحديث في هذا الوقت عن إنشاء مركز إعلامي لقيادة الأزمات أهمية كبرى بالنظر إلى أهمية الإعلام في تحريك مشاعر الناس، وكسب تأييد الرأي العام، والتقليل من المخاطر المحتملة، والدفاع عن مصالح الوطن العليا، ومواجهة ما قد يتعرض له الوطن من حملات إعلامية مغرضة تهدف إلى زعزعة أمنه واستقراره، وهو مركز يمكن له أن يقوم بدور هام في التصدي للشائعات، ومواجهة الإعلام المضاد، والتعامل مع سلبيات الإعلام الجديد وإفرازاته الضارة بالمجتمع، كما أن من مهامه إجراء الدراسات والأبحاث لمشاكل ولظواهر موجودة، بحيث يصبح مركزاً متخصصاً يضم قاعدة للمعلومات والبيانات التي يمكن استخدامها في وضع الخطط الإعلامية وبناء الإستراتيجيات والسياسات الوطنية، وتوزيع الأدوار ضمن هذه الخطط على كافة وسائل الإعلام المحلية، وتوجيهها لما يجب عمله في إطار مسؤولياتها الأخلاقية والاجتماعية والأمنية.
لم تعد وسائل الإعلام وسائل للترف والتسلية وحسب، ولم تعد منصّات للخطابة ونقل الاحتفالات، وتغطية المناسبات، بل أصبحت وسائل هامة للعب السياسي، وتأجيج الفتن، والعزف على أوتار حسّاسة، وإذكاء بؤر التوتر وإثارة النعرات، وقادرة على أن تصبح عوامل هدم أو عوامل بناء، وبمقدورها إسقاط أنظمة وهزيمة دول، إنه الإعلام اللعبة القاتلة، فيها يجتمع الخبث والفساد، وتحرّكها أيادٍ شيطانية باستطاعتها تحويل الظالم إلى مظلوم، والجاني إلى ضحية، إنها لعبة إما أن توصف بالقذارة أو بالطهارة، وهذا يعتمد على درجة نقاء وصفاء ونظافة الأيادي التي تدير هذه اللعبة، وعلى نوايا المصادر التي تموّلها.