ثمة آثار سلبية عديدية للتجاذب الساخن والبارد، في المرحلة السابقة، داخل مؤسسات وسلطات الدولة، وكل الضجيج والتوتر الاعلامي هو محصلة لهذا التناقض.
وبعيداً عن الأشخاص، فإن كل ما جرى من خطوات كان حسما جزئيا، ووضعا للغطاء على ما تبقى من رماد، ولهذا فإن الحاجة ماسة إلى الحسم الكامل، الذي يجنّبنا المرض الأهم الذي تعيشه الساحة السياسية، الذي يكفي وجوده لتحويل أي توتر عادي إلى مشكلة كبرى وحريق سياسي.
المرض، الذي نتحدث عنه، ليس الخلاف السياسي على امر او قضية، وليس الاختلاف في تقييم الأمور والمسارات بل هو التصنيف الاتهامي إذ يحمل أي طرف خصمه، من الأطراف الأخرى، إلى خارج اطار الوطن والوطنية ويجعله جزءا من معسكر وخندق نقيض للدولة.
المشكلة أن من أعطوا هذا المرض المساحة الكبرى، بل فتحوا له الأبواب وعززوا وجوده هم من داخل المواقع الكبرى، وذلك كان في سياق الحروب الداخلية على النفوذ، او منعاً لشخص قد يكون له مستقبل او لخدمة طموح ذاتي، لكن المحصلة الكبرى أن هذه الحروب زرعت هذا "الداء السياسي"، الذي اصبح عابراً للمراحل المختلفة، حتى لو خرج منها من زرعوا المرض.
عندما نتحدث عن المستقبل، وما قد يحمل من تغييرات في بعض المسارات، فإن بقاء هذا الداء السياسي كفيل بإشعال المعارك مرة أخرى. والمفارقة أنّ من كانوا يوجِّهون الاتهامات لأصحاب المواقع الأخرى كانوا يذهبون إلى التطرف لضمان كسب المعارك، لكنه ترك حالة سلبية، ولهذا إذا تم ذكر اسم أي سياسي كبير على أي موقع الكتروني في خبر او مقال تداعت التعليقات التي تتحدث عن امور كبيرة جدا وتصنف من يقع تحت السكين احيانا في خانة الخيانة.
أي تغيير، قد يحدث قريبا او بعيدا، يُفترض به أن يتخلّص من هذا الداء. لهذا فإننا بحاجة إلى حسم كامل، وأول حقوق رئيس الوزراء، في المرحلة المقبلة، أن يحظى بحماية من الاتهامات التي تخرجه من خانة المواطنة والوطنية، أي ان يكون معبّرا عن رؤية الملك في كل المجالات، وهذا ليس حصانة من النقد، بل حماية ومعالجة لداء الاقصاء والاتهامات.
وجزء من الحماية أن يثير من تسند اليهم المواقع الكبرى جدلا في مسارهم السياسي او مسارهم التجاري او طريقتهم في إدارة ما حصلوا عليه من نفوذ في مراحل سابقة.
نقول هذا مع التأكيد على أن أي حكومة يجب أن تخضع للمساءلة الفنية والمهنية من مجلس النواب والإعلام والناس، ويجب أن يتم تقييم انجازاتها ومحاسبتها على عثراتها. لكن المشكلة أن تأتي حكومة او أي مسؤول رفيع الى المواقع المفصلية، وهو متهم في مضمونه الوطني او توجهاته تجاه هوية الدولة او في ذمته المالية او موقفه من مستقبل الاردن او حقوقه الكبرى في قضايا الصراع العربي الاسرائيلي.
الكبار، او بعضهم، هم من زرعوا هذا الداء السياسي، وهم الذين يتبادلونه بينهم، لكن الدولة هي من تخسر، ولهذا لا يصلح أي مسار مستقبلي مالم تكن من اساسيته ان نجتث هذا الداء، الذي نزع ثقة الناس بمن اختارهم الملك في مراحل متعددة لإدارة شؤون الناس.
sameeh.almiatah@alghad.jo