ولد رحمه الله عام 1900في مدينة نابلس , ووالده عايش عبد الحليم مسعود بدران من عائلة بدران النابلسية المعروفة , عاش في بداية حياته بالقاهره التى انتقل إليها مع عائلته ليتمكن إخوانه الكبار من تلقّى تعليمهم فيها , وتوفى والده وهو إبن أربع سنين , مما اضطره للعودة إلى فلسطين مع والدته وسكنوا في مدينة يافا الساحلية , وفيها بدأ بتلقى العلم حيث دخل المدرسة الإبتدائية وكان من الطلبة المتفوقين مما أدى إلى منحه بعثة حكوميه لإكمال دراسته الثانوية بالمدرسة الرشادية في بيروت , وكان خلال دراسته الابتدائية يعمل بعد أوقات الدوام المدرسي في محل عطارة عائد لأحد أقاربه وذلك ليتمكن من إعانة عائلته .
حصّل تعليمه الجامعي في بيروت ودمشق حيث دخل الجامعة اليسوعية في بيروت واختار دراسة الصيدلة نظراً لخبرته السابقة بالعطارة , وأكمل السنة الأخيرة من دراسته الجامعية في الجامعة السورية بدمشق عام 1920 أثناء الحكم الفيصلي لسوريا.
انضّم خلال دراسته الجامعية إلى أحد المنظمات العربية التى تنادي بإصلاح الدولة العثمانية من الداخل لإنقاذها من السقوط والتشرذم ولا تؤيد الانفصال عنها ، بعد تخرجه من الجامعة عمل في مدينة حمص السورية حيث افتتح بها صيدلية وبقي حتى قيام الثورة السورية الكبرى عام 1925 فاشترك فيها مما أدى الى اعتقاله من قبل المستعمرين الفرنسيين الذين كانوا في حينها يستعمرون سوريا , وسجن لمدة تسعة أشهر في سجون المستعمر الفرنسي , وبعد خروجه من السجن وضع بالاقامة الجبرية , لكنه تمكن من الهروب إلى الأردن , وجاء إلى مدينة السلط حيث كان أخوه الأكبرالشيخ محمد يعمل قاضياً شرعياً فيها( والد دولة مضروعدنان بدران) , وعمل بعدها مدرساً في كل من القدس وإربد والكرك قبل أن يستقر في السلط ويفتح بها أول صيدلية سماها ( صيدلية الشرق العربي ) وكانت مقابل الباب الرئيسي للمسجد الكبير في مباني الوكالة وكان ذلك في عام 1927.
اهتم رحمه الله باللغة العربية الفصحى كثيرا سواءا كتابة او محادثة , فلقد كان خطاطا ماهرا حتى أنه كلف بعمل كخبير خطوط من قبل المحكمة , وجعل من الفصحى لغة التخاطب داخل بيته وعلمها لجميع أفراد اسرته , فكانوا لا يتخاطبون الا بها مع بعضهم ومع الناس خارج البيت , لانه كان يرى انه لابد من العودة الى الحديث والمخاطبة باللغة العربية الفصحى لغة القرأن.
كان رحمه الله متديناً منذ صغره اهتم بشؤون أمته خلال دراسته وبعد الدراسة , واسع ومنشرح الصدر يمتاز بالهدوء والتأني , يكثر من السفر والزيارة للأقطار المجاورة كفلسطين وسوريا ولبنان ومصر حيث له الكثير من الاصدقاء فيها , وكان كثير العطف والرأفة والشفقة بالفقراء والمساكين والمحتاجين , يساعدهم قدر استطاعته ويعطيهم الدواء من صيدليته بدون ثمن , لهذا كلّه سماه الناس بأبي الفقراء وقالوا عند وفاته مات أبو الفقراء , وعرف عنه الصدق والامانة مما أكسبه ثقة الكثير من التجار والأهالي في السلط فقاموا بوضع أماناتهم وصدقاتهم عنده .
كان رحمه الله واسع الثقافة يجيد العديد من اللغات كالتركية والفرنسية وكان يرد إليه الكثير من الصحف والمجلات العربيية المشهورة التى تصدر في مصر وسوريا ولبنان : كالرسالة والمقتطف والثقافة والفتح .
ولوجود صيدليته أمام مدخل المسجد الكبير كانت ملتقى لكثير من زعماء العشائر والاهالي الذين يجلسون أمامها ينتظرون الصلاة ويقدم لهم الشاي والقهوة , لذلك ربطته بهم علاقات متينة وأخوة صادقة .
ذهب في عام 1946 إلى مصر وقابل الأستاذ حسن البنا وبايعه على نصرة دعوة الأخوان وكان قبلها قد اشترك في إرسال برقية مع عدد من رجال السلط المتدينين ( كالشيخ عبد الحليم زيد الكيلاني والشيخ عاطي باكير ومنصور الحياري وغيرهم ) , الى الأستاذ البنا يبايعونه على نصرة دعوته وطلبوا منه أن يرسل من يعرّفهم بدعوة الأخوان , فاستجاب لهم الأستاذ البنا وارسل لهم الأستاذ سعيد رمضان ، وانتخب أبو هشام نائب لرئيس أول شعبة للإخوان بالسلط وكان الرئيس الشيخ عبد الحليم زيد الكيلاني ، وكان أول مقر للشعبة في بيته ،ثم انتخب رئيساً للهيئه الإدارية للشعبه لعدة مرات وعمل كمدير للمدرسة العمرية التى أنشاها الإخوان بالسلط .( كانت بالطابق السفلي من عمارة أل طوقان قرب الكراج ).
وعندما جاء الاستاذ حسن الهضيبي( المرشد العام للاخوان المسلمين ) الى السلط في صيف عام 1954 , تناول الغداء وبرفقة جمع غفير من مرافقيه ومن المسؤولين ووجهاء السلط في بيت ابو هشام رحمه الله .
أدى فريضة الحج مع إبنه الاكبر هشام عام 1957, وانتقل الى رحمة الله في عام 1961 إثر جلطة دماغية مفاجئه ودفن في مقبرة الجادور قرب مدرسة السلط الثانوية , وتأثر كثير من أهالي السلط لوفاته كيف لا وهم قد عرفوه عن قرب وعرفوا طيب معشره حيث أمضى أكثر من نصف عمره بينهم ( 34سنة ).
ترك أربعة من الابناء وثلاثة من البنات هم: المرحوم هشام وبه كان يكنى والأستاذ فاروق ( أبو عمر ) والدكتور حسان والدكتور المهندس علي , والمرحومة المربية الفاضلة زينب , وعائدة ( زوجة المرحوم الدكتور اسحاق الفرحان ) ,ونسرين( زوجة الدكتور عدنان الجلجولي ), رحم الله المتوفين منهم وحفظ الباقين جميعا ووفقهم الى ما يحبه ويرضاه .
أما عن جهاده فبالإضافة لاشتراكه بالثورة السورية عام 1925 , فلقد قام مع العديد من أصدقاءه من أهالي السلط بتكوين لجان مناصرة لثورة الشعب الفلسطيني عام 1936, وذلك بدعمهم لوجستياً ومالياً عن طريق جمع الأموال اللازمة لشراء السلاح وإرساله للثوار وحضّ الناس على الجهاد , وكانوا يفعلون ذلك بشكل سري حتى لا يتعرضوا لأذى كلوب باشا والإنجليز الذين كانوا يتولون قيادة الجيش , ولسمعته الحسنة بين التجار والأهالي قاموا بدعمه بالمال وبالسلاح لإرساله للثوار في فلسطين , ويعترف الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين بذلك له , وكان بيته ودكانه حلقة وصل لكثير من المجاهدين السوريين الذين يأتون من حمص وحماه وغيرهما من المدن يريدون الانضمام للثوار في فلسطين , فينزلون عنده ويؤّمن لهم الوصول إلى فلسطين عن طريق معارفه الموثوقين الذين يعرفون الطرق جيداً .
وأذكر هنا القصة التالية عنه رحمه الله ، فلقد جاءه مجاهد من حمص يعرفه ومكث عنده ضيفا الى أن أمّن له الالتحاق بالمجاهدين في فلسطين , وبعد عدة أسابيع عاد المجاهد الحمصّي إلى السلط ومكث في بيت أبي هشام , وكان مصاباً برصاصة في قدمه وتحتاج إالى عملية جراحية لإخراجها, ولايستطيع عمل ذلك إلا الدكتورالرسمي للحكومة , وكان أبو هشام لا يثق فيه لأنه من الموالين للإنجليز , احتار ماذا يفعل , وفي اليوم التالي لوصول المجاهد المصاب وعندما كان أبو هشام في صيدليته جاء أحد شيوخ وزعماء السلط المعروفين وكان صديقاً له ( المرحوم فلاح باشا الحمد الخريسات), فجلس أمام الدكان كعادته ولكنه لاحظ أن أبوهشام ليس كعادته فسأله قائلا وباللهجة المحلية لأهل السلط ( يابو هشام إنت اليوم مش عبعضك شوفيه ؟ شو شاغل بالك ) , فاأجابه أو تكتم السر قال طبعا , فروى له قصة المجاهد المصاب , فقال له فلاح : الليلة بعد صلاة العشاء سأحضر لك الدكتور إلى بيتك, وفعلا أحضره وقام الدكتور بانتزاع الرصاصة من قدم المجاهد وأعطاه بعض الأدوية , بعدها هدده الشيخ فلاح بالقتل إن هو قام باإفشاء سر هذا المجاهد , فخاف ولم يخبر عنه . وبعد أن شفى المجاهد عائد لبلده حمص .
رحم الله المجاهد بنفسه وماله وعلمه أبا هشام , وجزاه خيرا عن ما قدم لدينه ووطنه وامته , وأرجو الله أن يكون القدوة والأسوة الحسنة لذريته ولأبناء وطنه وأمته , فيسيروا على ما سار عليه في خدمة دينهم ووطنهم وامتهم .