هل وقف طلابنا بطابورهم الصباحي يوم أمس على الفاجعة الحزينة التي راح ضحيتها زملاء لهم؟ تأملوا واستذكروا وترحموا، وعاشوا للحظة وجع الأهل.
لم أسمع أن شيئا من هذا قد حصل. على الأرجح حرصت الهيئات التدريسية على إبعاد الطلبة عن الموضوع بحسن نية.
لكن الفاجعة ليست أمرا يمكن أن تطويه الأيام هكذا وننسى. يجب أن لا ننسى أبدا ذلك الخميس المشؤوم. إذا أردنا أن نكبر على ألمنا ووجعنا علينا أن نغرس تلك الحادثة في ذاكرتنا، ونحييها كل عام.
ثمة شيء اسمه الذاكرة الوطنية،فيها ندون الأيام الخالدة في حياتنا كشعب؛ أفراحنا وانتصاراتنا خيباتنا وأحزاننا.
بهذه الطريقة فقط تصبح الذاكرة قيما نتعلم منها الدروس، وأولها تقديس حق الناس في الحياة والاحتفاء بهم حين يأخذهم الموت منا.
ما أخشاه أن تصبح الفاجعة مجرد حادثة عابرة في غمرة الأحداث والأخبار المتلاحقة، ننساها، ونترك عائلات الضحايا يكابدون الوجع والألم وحدهم.
ينبغي أن لا نحط من قدر الحياة أبدا ولا نجعل الموت يفقدنا الإحساس بالوجع على خسارة أحباء أبرياء لا ذنب لهم. إذا فعلنا ذلك فلن نتعلم إطلاقا دروس الفاجعة، ولن نتخذ مايلزم من إجراءات كي لا تتكرر.
المنطقة التي وقعت فيها الفاجعة يجب أن تتحول إلى واحدة من أجمل المناطق في بلادنا. نشيد فيها نصبا تذكاريا للضحايا، ومنطقة ألعاب وترفيه لأطفالنا، نذكرهم كلما زاروها بذلك التاريخ الذي قضى فيه أطفال وفتية من أقرانهم وهم ينشدون الفرح والتحدي في سيول زرقاء ماعين.
ذكرى نعلم فيها طلاب مدارسنا قواعد المغامرة وأصولها ومحاذيرها، وحقوقهم وواجبات المدارس تجاههم كي لايغافلهم مقاول رحلات من أجل بضعة دنانير.
ذكرى نضيفها لمناهجنا الدراسية، لنعلم أطفالنا معنى الوفاء لمن رحلوا، وكيف تعاملنا مع الحادثة. نقص عليهم سيرة الرجال الشجعان من مواطنين وأفراد دفاع مدني ضحوا بحياتهم من أجل إنقاذ زملاء لهم. ونفتح نقاشا موضوعيا عن إدارتنا للأزمة وما دار حولها من جدل في أوساط المسؤولين، ونترك لهم حق قول رأيهم أيضا.
الناجون من الفاجعة يستحقون معاملة خاصة. فلنضمن أولا أن يدونوا قصتهم، ويسردوها للناس جميعا، ولطلبة المدارس خصيصا. المعلمة مجد الشراري التي قاتلت الصخور والمياه لتحمي حياة طلابها، تستحق أن تروى قصتها، ففي ذلك درس بليغ لصغارنا وكبارنا عن قيمة المعلم في حياتهم، عسى أن تدرك الأجيال الصاعدة معنى أن يكون المرء معلما.
صيف العام الماضي علق 13 طالبا تايلنديا مع معلمهم في تجويف صخري، تماما كما حصل مع المعلمة مجد الشراري والعدد نفسه أيضا، لكن محنة أولئك الطلبة استمرت أكثر من أسبوعين، قبل أن يتمكن المختصون من إخراجهم سالمين.
القصة في طريقها للتحول إلى فيلم سينمائي عالمي، ولربما تعرض في بعض المدارس الخاصة قريبا ونشاهدها في دور السينما.
قصتنا وفجيعتنا تستحق هي الأخرى أن تروى وتحفر في الذاكرة كي لا ننسى. الأطفال الذين فقدناهم ينبغي أن يظلوا حاضرين بيننا حتى لانترك للموت أن ينتصر علينا، ولا نسمح لتجاره بأن يسرقوا الحياة من قلوبنا.
الغد