لن أضيف شيئا على كل ما كتب وقيل عن فاجعة البحر الميت بل أريد الحديث عن مفهوم " إدارة الكوارث " في ضوء تجربتنا المأساوية الأخيرة. ونحن قمنا من زمان بإنشاء ما أطلق عليه المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات ومن مهماته إدارة الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والحرائق. وقد أصبح هناك علم كامل اسمه إدارة الكوارث.
وكنت قبل عقدين قد شاركت كمراقب إعلامي في ملتقى لحلف الناتو مع دول جوار الحلف، تم فيه الإعلان عن مجال مدني مستحدث في بنية الناتو هو إدارة الكوارث الناجمة عن أحداث كبرى مثل الكوارث الطبيعية وليس فقط آثار استخدام أسلحة الإبادة الجماعية في مناطق مدنية واستعداد الناتو للتعاون مع الدول في تطوير بنية محلية لمواجهة فعالة للكوارث، وكان واضحا في مداخلات ممثلي الدول الشوط الكبير الذي ما زال يجب أن تقطعه في هذا المجال من حيث وجود البنية الإدارية والفنية والتخطيط والتنظيم والتنسيق والتجهيز والإعداد والتدريب ، وعندما جاء دور أحد الحضور قاطعه ممثل الناتو قائلا أنتم متقدمون جدا ولا تحتاجون أن يعلمكم أحد، فكان ذاك هو المندوب الإسرائيلي لأخرج مع زملاء عرب مغتاظين مقهورين.
وكنت كتبت مقالا في تشرين الأول 2005 تحت عنوان "إدارة الكوارث" متأثرا بما شاهدناه في ألمانيا أثناء زيارة إلى "مركز إدارة الطوارئ" في إحدى الولايات وهو يتعامل مع أي شكل محتمل من الكوارث، ولاحظنا المستوى التكنولوجي-الاداري-اللوجستي الذي لا يترك شيئا للصدفة!
التخطيط والتنظيم والاتصال والتنسيق واستخدام الموارد وتوظيف الاحتياطي البشري والمادّي. كل شيء مرتب ومحدد ومدعم بتدريبات على سيناريوهات محتملة لحوادث في مختلف المجالات كالحرائق والفيضانات والانهيارات والهجوم بغاز سام.. الخ.
في نفس العام حدث عندنا هجوم الفنادق الإرهابي وأعقبه بإشراف مباشر من جلالة الملك إنشاء المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات وحسب التقارير كلف بناء وتجهيز المركز ما يناهز 100 مليون دينار وهو يقوم على 18 دونما وينخفض 40 مترا تحت الأرض ومجهز لمواجهة الزلازل وهجمات صاروخية وكيماوية وتجهيزاته الفنية مفخرة تؤهله كنموذج على المستوى الإقليمي حسب تقرير نشرته سي ان ان في نيسان 2014 ويفترض أنه يطبق أحدث المفاهيم والآليات في إدارة وتنسيق مواجهة الكوارث والأزمات .
وإدارة الكوارث تبدأ أولا بوجود نظام للتنبؤ والتوقع والرصد المبكر والإنذار والتخطيط ورسم السيناريوهات للاحتمالات والإجراءات الوقائية وغرفة عمليات للرقابة والمتابعة بأحدث الوسائل التكنولوجية ثم التعبئة والتنسيق مع مختلف الجهات المعنية وتنفيذ عمليات الإسعاف والإخلاء والاتصال مع ذوي المصابين .. الخ. ويفترض أن كل ذلك موجود لدى المركز.
ليس لدي علم ولم اقرأ عن دور للمركز في الكارثة الأخيرة. وفي الميدان كانت جهود رجال الدفاع المدني وبقية الأجهزة جبارة في ظروف صعبة جدا وكانت هناك بطولات فردية تطوعية عظيمة وفقد أحدهم حياته بعد أن أنقذ عددا من الأطفال، لكن إلى جانب ذلك شاهدنا كثيرا من البلبلة والفوضى. وخصوصا في الاتصال والتنسيق وتسخير الموارد.
دع عنك الكثير من القصص التي تم تداولها وثبت بطلانها مثل فتح بوابات السد ودور انهيار جسر في الكارثة.
ما ثبت أن الخطأ الأكبر هو تسيير رحلة " مغامرات " لأطفال في المكان والزمان الخطأ وبالضد من التعليمات لكن هكذا تقع كثير من الكوارث والآن علينا دراسة الأمر على مستويين أولا مدى التقصير في الآليات التي كانت ستمنع الكارثة، ومدى القصور في العمل لمواجهة الكارثة وليس الهدف الخروج بإدانات وأكباش فداء بل تعلم الدروس للمستقبل.
الغد